الكائنة بالرملة ، وانهملت من الكل الدموع لما توقعناه للوطن العزيز ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وهاته البلاد أعني إسكندرية هي ثاني مدينة في القطر المصري وهي مناخ تجارته مع سائر الممالك التي على البحر الأبيض والميحط الغربي ، وبها حصون حصينة وقشلات للعساكر ومكاتب عديدة لسائر الفنون ، وقصر للخديوي بقرب المرسى أنيق فاخر ومنزه عام خارجها بالمكان المسمى بالمحمودية ، وهو منزه نزيه جدا تنتابه الموسيقى الرسمية في العشية ولكن أكثر من يرد إليه إنما هم الأجانب ، وفي المحمودية طريق وسيع صناعي حوله الأشجار العظيمة يتماشى فيه المترفون بعجلاتهم وبقربه فرع من النيل وعليه آلات بخارية لرفع الماء وتصفيته وتقسيمه صافيا على البلاد في قنوات ، وأغلب طرق البلاد مبلطة بالحجارة حسنة المنظر سيما حارات الإفرنج التي بوسطها البطحاء الكبرى ذات الجنينة والفوّارات وحولها القصور الشاهقة ومن تحتها الحوانيت المزخرفة وبوسطها صورة محمد علي باشا (١) مجسمة ضخمة كأنه راكب جواده ، وأغلب طرق البلاد في حارات المسلمين ضيق وما عداها فهو متسع وبها من الجوامع الشهيرة جامع الإمام البصيري رحمهالله ، وهاته المدينة بناها إسكندر المقدوني (٢) وهو الرومي اليوناني الذي نشأ في مقدونية المعروفة الآن بالروميلي في بلد قيلبه وهو تلميذ أرسطو (٣) الذي أشار عليه بتفريق ممالك الفرس عند تغلبه عليها سنة ٩٣٥ قبل الهجرة ، وقال له الحكمة المأثورة إلى الآن وهي : اقسم تحكم ، قال في الأقيانوس : وليس إسكندر هذا باني سد يأجوج ، فإن ذلك من الملوك المعروفين بالأذوا من قبائل حمير ببلاد اليمن ، وإسمه الصعب ولقبه ذو القرنين ولقي إبراهيم الخليل وعانقه كما في الصحيحين ، وأطال في ذلك فليرجع إليه من أراده. وهذا مما يؤيد ما قلناه في الكلام على سور الصين في المقدمة ولله الحمد.
وقد سما الإسكندر هاته البلدة بالإسكندرية باسمه وكانت هي قاعدة الأقطار المصرية إلى الفتح الإسلامي ، وكان تجاهها جزيرة يقال لها جزيرة فارس فاتصلت بالبر برصيف بناء
__________________
(١) هو محمد علي «باشا» ابن إبراهيم آغا بن علي المعروف بمحمد علي الكبير. (١١٨٤ ـ ١٢٦٥ ه).
مؤسس ، آخر دولة ملكية بمصر. ألباني الأصل مستعرب. توفي في قصر رأس التين بالإسكندرية ودفن بالقاهرة. الأعلام ٦ / ٢٩٩ ، النخبة الدرية (١٠ ـ ١٦).
(٢) هو الإسكندر الكبير الملقب بذي القرنين (٣٥٦ ـ ٣٢٣ ق. م) ولد في مقدونية ، تعلم على أرسطو.
وهو من أعظم الغزاة وأشجعهم خلف أباه فيليبس وعزم على فتح امبراطورية الفرس فانتصر عليهم في إيسوس (٣٣٣ ق. م) ثم في سواحل فينيقيا ثم في مصر حيث أسس الإسكندرية وتابع زحفه إلى أطراف فارس. توفي في بابل. المنجد ص (٤٣).
(٣) هو أرسطو أو أرسطاطاليس (٣٨٤ ـ ٣٢٢ ق. م) مربي الإسكندر. فيلسوف يوناني تأثرت بوادر التفكير العربي بتآليفه التي نقلها إلى العربية النقلة السريان وأهمهم إسحاق بن حنين. مؤلفاته في المنطق والطبيعيات والأخلاق. المصدر السابق (٣٤).