العلم ، وهذا الجامع هو مدرسة العلم الجامعة في الأقطار المشرقية ، وفي القاهرة جوامع أخر عديدة ذات بناآت ضخمة ، أشهرها بمتانة البناء وضخامته وارتفاعه وإتقانه جامع السلطان حسن بن قلاون (١) ابتدأ في عمارته سنة ٧٥٧ ه وأتمه في ثلاث سنين ، ومقدار ما صرف عليه بسكة الوقت نحو ثلاثة عشر مليونا فرنكا ، فهذه هي أشهر الأماكن بقاهرة مصر ، ومثلها مدارس العلوم الرياضية وقد جمع بها خزائن الكتب التي كانت متفرقة وتشتمل على نحو مائة ألف مجلد منها ثلاثون ألف مجلد بخط اليد ، وفيها من نفائس الكتب تأليفا وخطا ما لا يوجد بغيرها ، ومنها مصحف كريم يقال أنه بخط سيدنا عثمان بن عفان رضياللهعنه ، ومصاحف أخر عديدة عظيمة الحجم مزوقة بالذهب إلى غير ذلك من الكتب العتيقة والنفيسة ، وذلك بقية ما فات الفرنسيس من الكتب التي نقلها إلى باريس عند استيلائه على مصر مدة نابليون بونابارتي ، وكذلك المارستانات أي المستشفيات الجامعة للتداوي وتعليم فنون الطب ، وقد شاهدت أحدها فإذا هو جامع لسائر أدوات الكيميا والطبيعيات والأجسام المصبرة والمشرحة من بني آدم وغيره ، غير أني كانت مشاهدتي لهاته الآثار وهي على شفا جرف من الإضمحلال لما سيأتي خبره مما اعترى مصر أواخر مدة خديويها إسماعيل باشا.
ومن مهمات ما يذكر في القاهرة الأهرام التي بقربها في المكان المسمى بالجيزة ، وقد ذهبت إليها راكبا حمارا لأن العجلات لا تصل إليها إلا بكلفة حيث أن الأرض حولها مرملة ولم تتصل الطرق الصناعية بها ، والأهرام بأرض مصر كثيرة جدا منها ما هو باق إلى الآن وعدها بعضهم فقال إنها ٢٧ هرما ومنها ما اندثر بالهدم وصروف الأيام ، وأكبر الموجود منها أهرام الجيزة المذكورة وهي ثلاثة أهرام أكبرها أوسطها ويعرف بأبي هرميس ، وأشهر الأقوال في بانيه هو فرعون كيبوس أحد فراعنة العائلة الرابعة من فراعنة مصر ، وعلى ما حرره المؤرخون أن تلك العائلة لها الآن نحو ستة آلاف سنة وكانت مدة ذلك الملك في الملك ٥٠ سنة وتمم بناء هرمه في ٢٠ سنة وكان المشتغلون في بنائه ٣٦٦ ألف نفس كل تلك المدة كأنه جعل بحساب كل يوم من السنة ألف نسمة للشغل وسلك في بنائه طريقا عجيبا حتى صبر على تقلبات الزمن ، فقد وضع على شكل مخروط قاعدته مربعة وينتهي بنقطة ، ومن خواصه أنه يتساند على نفسه إذ مركز ثقلة في وسطه ويتحامل على نفسه وليس له ما يتساقط عليه وقوبلت زواياه بمهاب الرياح كي لا تؤثر فيه لأنها تنكسر سورتها بمصادمة الزاوية بخلاف ما لو لاقت السطح ، وفي داخل هذا الهرم عدة محلات يدخل إليها
__________________
(١) هو حسن (الناصر) بن محمد (الناصر) بن قلاوون أبو المحاسن (٧٣٦ ـ ٧٦٢ ه) من ملوك الدولة القلاوونية بمصر والشام. ولي السلطنة ، ثم ثار عليه بعض أمراء الجند فخلعوه وسجنوه وولوا أخاه صالحا ثم خلعوه وأعادوا الناصر. نجا من كمين نصب له وتنكر بزي أعرابي وأراد السفر إلى الشام فقبض عليه في المطرية فكان آخر العهد به. وقيل خنق ورمي في النيل. الأعلام ٢ / ٢١٦ والبداية والنهاية ١٤ / ٢٢٤ ـ ٢٧٨.