المتفرجون وإن كنت في نفسي لم أستطع الدخول إليه لأن المدخل ضيق مظلم يدخله الإنسان حبوا ويدخل أمامه أحد السكان هناك بنور شمعة ، وأنا قائم بي ذلك المرض الذي يصحبه ضيق الصدر فلم أدخله ، ونقلت الكلام فيه من جغرافية مصر للفاضل محمد أمين فكري ، وكذلك نقلت منها جملة مهمات تتعلق بالأقطار المصرية فلعمري أنه كتاب جامع لفوائد قلما توجد بغيره مجموعة مع حسن السبك والإفادة والاختصار ، ومما قال في هذا الهرم : «أن بوسطه حجرة تسمى حجرة الملك فيها حوض بديع الصنعة من قطعة واحدة ، وأخرى تعرف بحجرة الملكة ويرى الناظر في داخله ما يبهر العقل من كمال إحكام تركيب تلك الأحجار الهائلة ، حتى قيل إن مقدار الواحدة منها مائتا قدم مكعب وجميعها يرى كأنه قطعة واحدة ، وينتهي أعلاه من داخل بسطح نحو عشرة أمتار ، يقال إنه سقطت منه حجرة وارتفاع أعلى الهرم على سطح أرضه ١٤٦ أما طول سطح أحد جهاته فهو ١٨٤ وطول كل ضلع من قاعدته ٢٣٠ ميترو ، والأهرام الآخر أصغر من هذا ، وقد اختلفت الأقوال في الغرض من بناء الأهرام حتى قال عمارة اليمني (١) :
تنزه طرفي في بديع بنائها |
|
ولم يتنزه في المراد بها فكري |
اه باقتصار وأظهر الأقوال إنها قبور لأصحابها.
وبقرب هاته الأهرام صورة أسد جاثم نحتا في الحجارة رأسه رأس آدمي مسدول الشعر وهي أضخم ما يكون من الصور ، وأصله من أعمال الفراعنة الأقدمين يسمى أبا الهول ، وبقربها أطلال بناءات هائلة سطا عليها الرمل ثم كشفت منها بيوت حائط كل بيت منها في قطعة واحدة من الحجر وسقفها كذلك حجرة واحدة ينذهل الرائي منها وكيف أمكن نقلها ووضعها بمحلها؟ وحول هاته الجهات أناس سكان كأنهم لا صناعة لهم سوى التفتيش على الأشياء العتيقة من تحت الأرض وبيعها للسواح والتطوف معهم لإراءتهم غرائب تلك الآثار القديمة ، مع أن الحكومة المصرية اعتنت كثيرا بجمع الآثار العتيقة التي يمكن نقلها وحفظتها في محل خاص بها هو من أهم أمثاله في الدنيا مباح لكل قاصد سيما أنتيك خانه. وفي سائر الجهات المصرية عجائب من صنائع الأقدمين مما يدل على تقدمهم التام في المعارف والصنائع ، ومنها ما اندثر علمه الآن مثل الإقتدار على جر الأثقال وحفظ أجسام الأموات على حالها المسماة بالمومية المصرية التي نقل منها لسائر أقطار التمدن ونسج المنسوجات من مواد حجرية لمسماة.
وغير ذلك ، وأغلب ما يوجد من أمثال هاته الأشياء في أقاليم الصعيد حيث كانت مقر
__________________
(١) هو عمارة بن علي بن زيدان الحكمي المذحجي اليمني أبو محمد ، نجم الدين. مؤرخ وشاعر فقيه أديب من أهل اليمن ، ولد في تهامة. اتفق مع سبعة من أعيان المصريين على الفتك بصلاح الدين ، فعلم بهم فقبض عليهم وصلبهم بالقاهرة سنة (٥٦٩ ه). الأعلام ٥ / ٣٧ صبح الأعشى ٣ / ٥٣٢ وفيات الأعيان ١ / ٣٧٦ وآداب اللغة ٣ / ٧٤.