تخوت ممالك الفراعنة وبعض اليونان ، والحاصل أنه يوجد بمصر من غرائب الآثار القديمة ما لا يوجد بغيرها ، وكل ما يمكن أن ينقل ولم تعتد عليه أيدي الدول الأجنبية فقد جمع في القاهرة في ديوان الآثار والغرائب ، حتى ذكر أن بعض دول أوروبا رضيت بشراء جميع ما في ذلك الديوان بما على الحكومة المصرية من الديون ، وعلى تقدير عدم صحة ذلك القول فإنه ينبىء عما لتلك الآثار من الغرابة والعناية حتى صح أن يقال فيها مثل ما ذكر.
وقد اجتمعت في القاهرة بأجلاء من فضلائها وأعيانها فقد زرت العلامة النحرير شيخ المشايخ الشيخ إبراهيم السقا (١) وهو طريح الفراش بمرض الفالج الذي لم يبق له من حراك سوى الكلام والنظر وثبات العقل ، وهو على جلالة علمه وفضله والتكدر من ألمه على جانب عظيم من التواضع ولين الجانب وحسن الأخلاق ، فأخبرني أنه من تلامذة الشيخ سيدي إبراهيم الرياحي التونسي ، وأنه أخذ عليه وأجازه عند اجتيازه بمصر للحج وسألني عن ذريته ودعا لهم بخير ، وأعجبه النشوق من التبغ التونسي ودعا لي وللمسلمين بما نرجو من الله قبوله وأظن أن سنه نحو الثمانين سنة ، وكذلك حضرت تبركا بدرس العلامة النحرير الشيخ محمد عليش (٢) صاحب التآليف الشهيرة ، ووجدته يقرأ في شرحه على مختصر خليل في الفقه المالكي أثناء كتاب العتاق بمسجد قرب جامع سيدنا الحسين رضياللهعنه ، لأنه لم يستطع الإقراء بالجامع مع حيث تكثر فيه الأصوات من المدرسين وهو لكبر سنه البالغ نحو الثمانين وضعف بدنه كان منخفض الصوت حتى أني لم أتمكن من سماع تقريره كما ينبغي لانخفاض صوته مع مزيد السكون في المسجد ، ومع ذلك قد أطال الدرس حسب معتاد المصريين فمكثت فيه ساعة ونصف وانصرفت وهو لا زال بصدد الإقراء ، وعليه من مهابة العلم والصلاح ما يؤيد صيته الشهير.
وكذلك اجتمعت بالفاضل الصفوة الخيرة سيدي عمر السنوسي أخي صديقي سيدي إبراهيم السنوسي المتقدم ذكره في الإسكندرية ، وهو ذو أخلاق مطابقة لما له من مجد الأعراق ، وغير هؤلاء من بعض الأعيان من الأهالي والمستوطنين من أهالي الأقاليم الإسلامية كالفاضل الحسيب محمد الأحبابي من أعيان تجار أهل المغرب ذوي الثروة ، وكالشهم الهمام الزبير باشا الذي كان ملكا على قسم من مملكة دارفور من السودان ودخل طوعا تحت الخديوية المصرية رغبة في اتحاد كلمة الإسلام ، ثم عزله إسماعيل باشا وبقي
__________________
(١) هو إبراهيم بن علي بن حسن السقا (١٢١٢ ـ ١٢٩٨ ه) خطيب من فقهاء مصر. تولى الخطابة في الأزهر نيفا وعشرين عاما. مولده ووفاته بالقاهرة. الأعلام ١ / ٥٤ ، إيضاح المكنون ١ / ٢٥١.
(٢) هو محمد بن أحمد بن محمد عليش ، أبو عبد الله (١٢١٧ ـ ١٢٩٩ ه). فقيه من المالكية. مغربي الأصل. ولد بالقاهرة وتعلم بالأزهر. ولما كانت ثورة عرابي باشا إتهم بموالاتها ، فحمل وهو مريض لا حراك به وألقي في سجن المستشفى فتوفي فيه بالقاهرة. الأعلام ٦ / ١٩ ، إيضاح المكنون ١ / ٢٧١ شجرة النور الزكية (٣٨٥) معجم المطبوعات (١٣٧٢).