أحدها : يسمى نيل السودان وذاك من منبعه إلى الخرطوم.
الثاني : منها إلى فيلة وهي جزيرة في وسطه قرب مدينة أسوان.
الثالث : منها إلى البحر الأبيض.
فالقسم الأول يتكون من نهرين يسمى أحدهما : البحر الأبيض ، والآخر : البحر الأزرق ، عبارة عن عظمهما حتى ألحقا بالبحر ، والبحر الأبيض : كأنه هو الأصل للنيل وهو يجتمع من عدة أنهر في أواسط أفريقية وهو أعظمها وأبعدها منبعا ، لأنه منبعث من بحيرة أو كيريفي المعروفة بفيكتوريا على ظن آخر الجغرافيين الآن وإن كان التحقيق أنه مجهول حيث تبين أن تلك البحيرة تستمد من بحيرة أخرى ، ولكن الوصول إلى اكتشافها صعب ولعله تحدث أسباب لذلك ، وطوله إلى حيث يجتمع بأخيه قرب الخرطوم ٢٣٠٠ كيلوميتر أي نحو ألفي ميل.
وأما الأزرق : فحجمه نحو الثلث من السابق ومنبعه من بحيرة دميعة في بلاد الحبشة ويمر على عدة شلالات ثم يجتمع بأخيه ويصير حينئذ القسم الأوسط ، فتصب فيه عدة أنهار وغير معتبرة وذلك في بلاد النوبة ، فإذا وصل إلى أصوان حدثت منه الشلالة الأخيرة التي تمنع زيادة صعود السفن عنها لأنها متكونة من ارتفاع الأرض في المجرى الأعلى وانخفاضها في المجرى الأسفل مع صخور مرتفعة فيكون له خرير كالرعد القاصف يسمع من بعد بعيد ، فإذا وصل النيل إلى أسفل القاهرة انقسم إلى فرعين : شرقي ، وغربي ، فالشرقي : يصب في البحر الأبيض عند دمياط ، والغربي : يصب في البحر المذكور عند رشيد ، وأحدثت من النيل ترع عديدة حتى صار يصب في البحر الأحمر وخليج السويس والإسكندرية وغير ذلك ، وصنعة الترع في مصر كانت معروفة في مصر بأحسن مما هي عليه الآن حتى كانت تروى سائر رباها بل وجبالها أيضا ، ويرشد إلى ذلك قوله تعالى حكاية عن فرعون. (وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) [الزخرف : ٥١] فكانت أرض مصر كلها عامرة بالأنهار ، وهاته الترع تحمل القوارب وتقع بها المواصلات وتبين مما مر أن في مصر أنهارا عديدة عظيمة سيما في السودان ، ويجتمع الجميع في النيل ، ولولا عظمة المياه لتلاشت في الصحاري التي تمر عليها.
ومن غرائب النيل أنه يفيض في وقت معين من كل سنة وهو وقت الإنقلاب الصيفي ويستمر على ذلك إلى الإعتدال الخريفي فيأخذ في النقصان إلى الإنقلاب الشتوي فيتحد في مجراه إلى السنة القابلة ، ويختلف فيضانه بالزيادة والنقصان ، واعتداله المطلوب للسكان هو أن يرتفع على المجرى الإعتيادي سبعة امتاز فإن زاد أهلك بالغرق وإن نقص أجحف الناس بالقحط ، ولهذا الإعتيادي سبعة أمتار فإن زاد أهلك بالغرق وإن نقص أجحف الناس بالقحط ، ولهذا الفيضان كانت مصر الأصلية لها مناظر عجيبة ، ففي الربيع الذي هو شباب الزمان في سائر البقاع تكون مصر عموما أقل بهجة من نفسها في وقت آخر ، وفي الصيف الذي تجف فيه المياه في المعروف تكون مصر بحرا من الماء العذب راسبة فيه قرى ومدن