في الأجيال المستقبلة ، واستدل المجيب المذكور على أن فرعون موسى هو منفطا المذكور بأن الذي ولي الملك بعده إبنته وتصرف بالنيابة عنها زوجها لأنه لم يكن له ولد سواها وابن صغير قاصر ، فدل ذلك على حدوث أمر عظيم انقرضت به عائلة الملك حتى سلموه إلى امرأة وزوجها مع أن جدهم القريب «سيزوستريس» المار ذكره ، قد ترك من الأولاد نحو عشرين فهذا الحادث الذي انقرضت به العائلة ليس هو إلا ذلك الغرق لفرعون وملائه اه. ولا يخفى أن كلا من الجواب والإستدلال غير مسلم ، أما الجواب فإن وجود القبر الأصل فيه أن يكون فيه مقبوره سيما إذا كانت عليه كتابة إسمه التي بها عرف أنه قبره وتاريخ موته فإنها لا ترسم إلا بعد وضع صاحبه فيه ، واحتمال أن المصريين أقاموا ذلك القبر على تلك الكيفية قصدا لإخفاء الواقعة في الأجيال القادمة احتمال بعيد كسابقه لا يؤثر مع الباحث ، سيما وواقعة غرق فرعون مع ملائه ونجاة موسى ببني إسرائيل بإنفلاق البحر من المعجزات الباهرة التي لا يبقى معها للمصريين عناد بعد مشاهدتها وهلاك ملكهم الذي كانوا يعبدونه ، فلا تبقى فيهم بقية يفكرون بها عن الأجيال المستقبلة ، وأين هم من هذا مع افتضاحهم لأنفسهم ولجميع معاصريهم ومن هو تحت مملكتهم من الأمم المالئين لما بين الطونة والكنك ، فهم أشغل بأنفسهم والإنقياد إلى الحق أو إلى تدارك أمرهم الدنياوي فقط في الأقل بين أعين الأمم الذين ينظرون إلى هلاك مدعي الألوهية مع أمرائه ووزرائه وجيوشه ، فكيف يخطر لهم في تلك الحالة التعمية على أجيال مستقبلة مع أن سائر معاصريهم ينقلون خلاف ذلك.
وأما الإستدلال فهو غير منتج إذ لا يلزم من تولية البنت انقراض عائلة الملك ، كيف ذلك ونحن نرى في التاريخ بل وفي خصوص تاريخ المصريين عدة نسوة صرن ملكات مع وجود العائلة ، بل ولم يزل ذلك جاريا في جهات من الأرض إلى الآن ، فلم لا تكون ولاية البنت لأن قاعدتهم كانت وراثة الملك لأكبر أولاد الملك الإناث والذكور سواء وتصرف زوجها حينئذ نيابة عنها باختيارها لا لانقراض العائلة ، وكأني أرى هاتيك التمحلات في الجواب مبنية على إهمال علم السند والرواية ، أما لو كانوا يعرفون ذلك وجرت عليه أعمال ديانتهم لما استحقوا لمثل ذلك ولتخلصوا من مهاو مهلكة ، مع أن علم السند والرواية أمر ضروري بل طبيعي لأخذ الأخبار الغائبة عن المشاهدة وإذا بنيت عليه الأحكام استقام الأمر وخلص من الغلط والغش والكذب ، وبناء على اعتبار ذلك فنحن المسلمون نقول : إن الذي نقطع بوجوده هو غرق فرعون مصر مع ملائه ونجاة موسى عليهالسلام ببني إسرائيل بانفلاق البحر معجزة له ، أما كون فرعون المذكور إسمه منفطا أو غيره وكون مدته إلى الآن كم هي فلا علم لنا بها ولا دليل لنا عليها ، وذلك العلم حصل لنا بالنقل المتواتر (١) في
__________________
(١) الخبر المتواتر هو الخبر الصادق أي المطابق للواقع وهو الثابت على ألسنة قوم لا يتصور تواطؤهم على الكذب أي لا يجوّز العقل توافقهم على الكذب. ومصداقه وقوع العلم من غير شبهة وهو بالضرورة موجب للعلم الضروري ويفيد علما قطعا ويحل محل المشاهدة العينية في بعض الأحيان ، كالعلم ـ