الهنود بعد نصف الليل ، وعند المغربيين عند غروب الشمس أو ما قارب ذلك في كل من المكانين ، وهاتيك الأقطار ما مضى عليها من وقت انشقاق القمر نيف وعشرون سنة إلا وقد أدخل خالد بن سنان قائد جيش المسلمين في المغرب قوائم فرسه في المحيط الغربي ، وقال : «ليس لي وراء هذا ما أفتحه ، وقد بلغت فتوح الجيوش الإسلامية في الشرق إلى بخارى وسمرقند وأفغانستان وسائر تلك الجهات فعلماء هاته الأقطار عند الفتح الذي كان بقرب انشقاق القمر لأن الإنشقاق كان في السنة الخامسة قبل الهجرة والفتح ، ثم في مبدأ خلافة سيدنا عثمان كانوا على قسمين : منهم من آمن وهو الأغلب ، ومنهم من بقي على دينه.
فأما من آمن وألف فقد روى مثل سائر المسلمين الإنشقاق إما لرؤيته أو لرؤية أحد ممن يثق به من أهل وطنه مع التأييد بالرواية المستفيضة والتواتر القطعي من الصحابة الذين شاهدوا ذلك وعلموه ونقلوه بالكلام الذي يتعبدون بتلاوته ولا يرتابون في حرف منه ، وكذلك صار نقل كل من آمن من سائر تلك الأقطار ، ولهذا تواتر النقل بغير ذكر سند واقتصر ذكره على كيفية الوقوع وهو أيضا بالغ مبلغ التواتر مع أن الأصل ثابت بغير احتياج للسند كما في سائر التواترات ، لأنه إذا قال قائل أن الكعبة في مكة المشرفة فلا يقال له عمن تروي هذا لأنه قطعي معلوم بالضرورة ، وكذلك نقل الإنشقاق لأنه متواتر بالقرآن في قوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) [القمر : ١].
وأما القسم الثاني من علماء تلك الأقطار الذين لم يؤمنوا ، فإنهم لما تحقق عندهم ما تقدم عند المسلمين فمن ثبت ذلك عنده منهم من قبل لا شك أنه يضرب عن ذكره في تاريخه لأنه يكون حجة عليه ، وهو يتأول في وقوعه بما تشير له الآية الكريمة فهو حريص على عدم إثباته بالمرة ، لكنه لما عارضه النقل القطعي سكت عنه ولم يتعرض له بنفي ولا إثبات ، وإلا فما بالهم لم يذكر أحد منهم أن ذلك الزمان قد كان فلان وفلان يرصدون القمر أو السماء ولم يروا ذلك الحادث مع أنهم حريصون على ذكر كل قادح في الدين ، فكان سكوتهم في الحقيقة هو نفس الإقرار بالوقوع ولا يتخيل مع ما ذكرناه أن مجرد السكوت عنه حجة في عدم الوقوع والحال ما ذكرناه ، ويتأيد هذا بالممالك التي بقيت لم تفتح وكان فيها بقية من التمدن وهي يمكن منها رؤية الإنشقاق مثل بقية مملكة الرومان الشرقية والغربية ، فإنهم لما تقلص ظلهم في تلك المدة القريبة بدولة ذلك النبي صلىاللهعليهوسلم الذي كان من معجزاته انشقاق القمر وهم على دين النصرانية ، وثبت ذلك عندهم قطعيا ممن فتحوا أقطارهم وعلموا أن ذلك الإنشقاق حجة لخصمائهم ، فعلى تقدير أن يكونوا رأوه وأثبتوه في بعض تواريخهم عند وقوعه فلا يبعد أن أضربوا عنه بعد بلوغ قصته إليهم ، لكي لا يكون حجة عليهم ولإبعاد إثباته عند من يأتي من قومهم ، سيما والملوك إذ ذاك تحت الإنقياد للقسوس وكبراء الديانة ، فربما أنهم منعوا من ذكره كما يمنعون سائر ما يضر بدياناتهم ، فها هنا يأتي مثل هذا التعليل الذي مر ذكره عن بعض النصارى في شأن غرق فرعون ، وهو هنا على نحو ما أوضحناه أبين وأمكن ، فلذلك قلنا باشتداد عجبنا من