أن يدخلوا عليها الشك والتحريف مع العلم القطعي بتواتر كل حرف من القرآن في محله ومرور ألف وثلاثمائة سنة وعشر سنين عليه ، ولم يقع الشك فيه ولا راج التشكيك على أحد من الأمة من عامتها فضلا عن علمائها ، ومن هذا القبيل ما رأيته عند كتبي لهذا المحل في تأليف جديد للغوي أحمد فارس سماه «بالجاسوس على القاموس» فهو وإن كان في بابه من جهة اللغة حسن الموضوع ، لكن لما كان صاحبه غير متضلع بالعلوم الشرعية اغتر وراج عليه ما يذكر في بعض كتب أدبية لذوي مجون متمخرقين بذكر ما يرونه من الطرف والظرائف لتقضية الوقت والتزلف لدى جهال الأمراء ، حتى قالوا إن بعض كلمات القرآن الكريم وقع فيها التحريف واختلاف الرواية في القراءة بسبب عدم وجود الشكل والنقط في الأحرف العربية في الزمن القديم ، وعدوا من ذلك جملة ألفاظ حتى قال أن منها : أناثا قرىء أوثانا وقضى قرى وصى ويئس قرى يتبين وعباد الرحمن قرىء عند الخ ، ولولا التحامل المقصود لهؤلاء لما صح لهم ذكر ذلك وإلا فأي ذي عقل يقول إن أحرف الكلمات المذكورة يشتبه بعضها ببعض حتى يقرأ على ما ذكر ، فمن أين أتت الواو في أناثا حتى صارت أوثانا وكيف يشتبه القاف بالواو في وضى ، ومن أين أتت الألف في عند حتى صارت عباد ، وهذا كاف في بيان التمشدق. وإلا فالحقيقة أن القراآت السبع كلها متواترة بإجماع أهل الملة والدين كما نص على ذلك علماء أصول الفقه وأصول الدين وسائر القراء ، وإذا قال أحد مدعي العلم في عصرنا أن التواتر يحصل به العلم العام فما لي لم يحصل لي حتى الظن بذلك فضلا عن العلم؟ فنقول : إن ذلك من الجهل المركب وذلك لأن المراد بكون التواتر محصلا للعلم إنما هو عند من علم التواتر وعند أهله أي أهل موضوع التواتر لا عند جميع الخلق ، ومثاله سهل جدا فإنك إذا سألت أحد أهل السياسة وعلماء الجغرافية عن وجود بلد تسمى استكهولم أجابك حالا بأنها موجودة قطعا وأنها تخت مملكة السويد وأنه لا يرتاب في ذلك مثل ما لا يرتاب في وجود نفسه ، فإذا أتيت لجمهور علماء الجامع الأزهر وعلماء جامع الزيتونة وعلماء جامع القرويين وغيرهم من عمد علماء الدين وسألتهم عن تلك البلاد لا تجد عند أحد منهم شعورا بها ولا يجيبك إلا بأني لا أعلم لهذا الإسم من موضوع ، فهل يكون عدم معرفة الجمهور العظيم من علماء الشريعة قادحا في وجود تلك البلاد أو في خروجها عن كونها تختا لتلك المملكة بثبوت التواتر لمن لم يشاهدها من أهل العلم بذلك كلا ، فكذلك لا يكون جهل جميع الجاهلين قادحا في وجود التواتر بالقراآت السبع ، بل قال جمع من الأصوليين : إن القراآت العشرة متواترة فضلا عن السبع ، وإذا كان كذلك فلم يبق محل لدعوى التصحيف أو التحريف في تلك الكلمات وأشباهها مما ثبتت به القراءة ، وإنما جاء ذلك من التشديق الذي لا اعتبار له سوى التسويد في الكتب لينقل عنه من يرى أن العلم كاف فيه وجوده في كتاب مسود وسيأتي لهذا الموضوع مزيد بيان في الخاتمة إن شاء الله تعالى ولنرجع إلى تاريخ مصر فنقول :
إنه من عهد منفطا وإبنته لم يوجد في التاريخ شيء معتبر من أحوال مصر سوى استيلاء عائلات أخرى للملك إلى أن بلغت إلى العائلة الثانية والعشرين ، فكان منها فرعون