قلاع في الحدود وتقلص ظلهم عما كان لهم في النوبة من النفوذ ، ثم تسلط أهل سنار العرب على مصر وهم الرعاة ثم خرجت عنهم كما سبق ذكره ، ثم دخلت في أهالي سنار وغيرهم الديانة النصرانية في القرن الرابع من الميلاد ، ثم في القرن الأول الهجري افتتح العرب هاتيك الجهات وبقيت على الإستقلال بإدارتها سوى التبعية الدينية للخلافة إلى سنة ٨٨٩ ه ، فأقبلت قبيلة تسمى الفنج أو الفون ولا يعرف من أين أتت فتغلبت على تلك الجهات وتملكتها وكانت على الديانية الوثنية ، ثم أسلمت وصار منها علماء أجلة في عدة مدن وارتحل منها طوائف إلى قواعد الإسلام لأخذ العلوم فبرعت منهم فحول ، وكان ملكهم من أقوم ملوك الإسلام إلى أن حدث فيهم التنافر الداخلي والإنقسام وتماروا فيما بينهم فجعلوا بذلك وسيلة لجارهم في التسلط عليهم ، فاغتنمها محمد على باشا فرصة واستولى على جميع سنار بعد استيلائه على النوبة سنة ١٢٣٦ ه أما شطوط النوبة الشرقية أعني ما كان منها على البحر الأحمر فإنه كان في أغلب الأوقات تابعا لمصر حتى بعد الفتح الإسلامي ، وعندما افتتحت الدولة العثمانية مصر بقيت هاته الجهة تحت إدارة خاصة بها تابعة للدولة إلى سنة ١٢٤٣ ه ففوضت إدارتها إلى محمد علي وجعلت جزأ من الممالك المصرية وألحقت بها أيضا بلدة أنصبا وملحقاتها التي كانت تابعة للحبشة فاستولت عليها مصر شيئا فشيئا ، وأما دارفور فغاية ما علمت من تاريخها أنها كانت من الممالك الإسلامية القديمة وأهلها من أخلاط السودان والعرب ، وآخر عائلة من ملوكها عربية سودانية يسمى أولهم السلطان عبد الرحمن توفي سنة ١٢١٨ ه وانتقل الملك في أبنائه إلى أن تغلب على المملكة إسماعيل باشا سنة ١٢٩١ ه.
وأما زيلع وغيرها من بقية جهات السودان على شطوط أفريقية الشرقية ، فحاصل ما بلغت إليه أنهم قوم من العرب اجتازوا إلى هناك من قبل الإسلام ، ثم أسلموا في صدر الإسلام ولما استولت الدولة العثمانية على اليمن وغيره من جزيرة العرب وأفريقية دخلت تلك الممالك أيضا طوعا في طاعة الدولة ، ولم تزل مجرية لهم عوائدهم ولها الحكم السياسي ، إلى أن ألحقت ذلك بمصر بمقتضى فرمان منحه إلى إسماعيل باشا وورثته وذلك نسة ١٢٩٢ ه.
وأما بلاد النوبة فكانت قديما مشمولة بما ذكرناه في سنار إلى أن استقر الإسلام بمصر فبقي أهل النوبة على الشرك ، حتى أنه في زمن المأمون (١) لما قدم إلى مصر اشتكى إليه ملك النوبة من عامل أسوان وأهلها بأنهم ملكوا أراضي في بلاده بالشراء من أناس والحال أنهم أي البائعين عبيده ، فأحال فصلهم على قاضي أسوان ولم يقر البائعون بالرق فضغن عليهم ملك النوبة وبطش بهم ، ثم صار التعدي متواليا من النوبيين على أهالي مصر وكلما
__________________
(١) هو عبد الله بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور ، أبو العباس (١٧٠ ـ ٢١٨ ه).
سابع الخلفاء من بني العباس في العراق. أخباره كثيرة. توفي في «بذندون» ودفن في طرسوس. الأعلام ٤ / ١٤٢ تاريخ بغداد ١٠ / ١٨٣ الكامل في التاريخ ٦ / ١٤٤ وفوات الوفيات ١ / ٢٣٩.