على ذلك إلى أن ضعف بالسن فتنازل عن الولاية لابنه الأكبر وهو رئيس جيوشه وحروبه إبراهيم باشا (١) سنة ١٢٦٥ ه وكان على قدم أبيه وتوفي تلك السنة فتولى بعده ابن أخيه عباس باشا بن طوسون بن محمد علي (٢) سنة ١٢٦٥ ه فأخذ عنفوان التمدن في شيء من الإنحطاط لصرف المداخيل في الشهوات ، لكنه أحدث شيئا من المنافع كبعض طرق الحديد والسلك الكهربائي وأحكم الصلة مع الدولة العثمانية ثم توفي سنة ١٢٧١ ه وولي بعده سعيد بن محمد علي فزاد انحطاط التمدن واتسع خرق الإسراف ومنح لجمعية لسبس الفرنساوية فتح خليج السويس وكثر الدين على الحكومة ثم توفي سنة ١٢٨٠ ه وولي إسماعيل باشا ابن إبراهيم باشا فأعاد عصر التمدن والمعارف واتساع القوّات البرية والبحرية ، وشدد الإلتحام بفرنسا وإنكلاتيره بما جعله آخذا طريق الإستقلال بالمرة عن الدولة العثمانية ، وصادف أن كان في أيام ولايته حصلت حرب أمريكا المتحدة في بعضها فانقطع منها جلب القطن إلى إنكلاتيره واشتد طلبه من مصر ، وحصلت فيها ثروة لم تعهد مع امتداد طرق الحديد إلى جهات شتى وإلى السودان ثم تم فتح خليج السويس في مدته ، ودعى له ملوك أوروبا فحضر له كثير منهم كأمبراطور أوستريا ، وأمبراطورة الفرنسيس زوجة الإمبراطور نابليون الثالث من غير توسط الدولة العثمانية مما زاد الشبهة في دعوى الإستقلال ، لكنه كأنه تحقق من زائريه أن المقصد لا يتم له فتغيرت سيرته من وقتئذ وعاد لمصافاة الدولة العثمانية ، وقد قدم إليه السلطان عبد العزيز بنفسه إلى مصر وإلى مقره في الآستانة وحصل منه على فرمان امتياز بانحصار الوراثة في خصوص بنيه من أكبرهم إلى إبنه الأكبر وهكذا ، وزاد في الخراج للدولة وأخذ منها مملكة زيلع وفتح دارفور وكردفان وغيرها من السودان ، وزادت المعارف كلها شعشعة في أيامه ، وأنشأ المحاكم المختلطة بمصر لمنع حكم القناسل ، وأنشأ مجلس النواب عن الأمة لكنه صوري ، وكذلك مجلس الوزراء ، إلا أن الكل تحت أمره وحده ، لكن ازداد الدين على الحكومة بكثرة المصاريف الداخلية في إنشاء القصور وغيرها كالترع والطرق وبكثرة المصاريف للدول لتحصيل مطلوبه منهم مما ذكرناه ، وافتقر الأهالي من الظلم وأخذ أموالهم بالضرب وغيره لحد غير معلوم ، ومع ذلك لم تقدر الحكومة على الوفاء بفائض الديون الأوروباوية وجعلت تزيد في القرض إلى أن توقف المقرضون عنها فتداخلت الدول في حفظ أموال رعاياهم ، وأنشأوا وزارة فيها
__________________
(١) هو إبراهيم «باشا» بن محمد علي «باشا» (١٢٠٤ ـ ١٢٦٤ ه) من ولاة مصر. ولد في «نصرتلي».
تعلم في مصر. زار الأستانة. ومرض بعد إيابه فتوفي بمصر. الأعلام ١ / ٧٠ دائرة المعارف الإسلامية ١ / ٤١ ـ ٤٥.
(٢) هو عباس «باشا» بن طوسون بن محمد علي (١٢٢٨ ـ ١٢٧٠ ه). ثالث الولاة من أسرة محمد علي بمصر. ولد بجدة ونشأ بمصر. تولى الحكم بعد وفاة عمه إبراهيم باشا. في أيامه أنشئت المدرسة الحربية بالقاهرة ونفى السحرة والدجالين والمشعوذين إلى السودان. اختلفوا في حقيقة مقتله ، ومنهم من يتهم به السلطان عبد المجيد. الأعلام ٣ / ٢٦١ النخبة الدرية (١٨).