وزير إنكليزي للمال ووزير فرنساوي للأشغال العامة ، وتحرش الوزراء غير الأجنبيين حينئذ في عدم الإذعان لمجرد إرادة إسماعيل باشا وتقلب مرارا في تغيير الوزراء فلم يفده ، إلى أن ثار الجيش بالإغراء متفقا مع مجلس النواب وأهانوا الوزارة المختلطة كلها بدعوى أنها نقصت من مصاريف الجيش وعدده ، لكن المعاملة مع الوزير الفرنساوي كانت لينة وهو مغض عنهم حتى كان لسان الحال يدل على أن لفرنسا باطنا نوع اتفاق مع الخديوي يوافق قصده في التباعد من إنكلاتيره ، حتى تفطنت لذلك وأرسلت له رسولا خاصا ليبلغه نصيحة شديدة مآلها أن النافع لذاته هو الرفق بالرعية والكف عن الإسراف وأن ركونه إلى غيرها لا يفيده عند تحصحص الحق ، فأجاب بالتخلص مما رمي به واشتدّ حنقه من التداخل الأجنبي إلى أن حصلت تلك الأمور من العساكر ، فعزل الخديوي الوزارة فثار غيظ فرنسا وإنكلاتيره وطلبوا من الخديوي أن ينعزل عن الخديوية فأبى وألحوا إلى أن كادوا أن يباشروه بالحرب ، وكانت الدولة العثمانية إذ ذاك أثر خروجها من حرب الروسيا التي قسمت بها كثيرا من ممالك الدولة فأرادت الدولة أوّلا أن تحمي الخديوي ، لكنها لما علمت أن لا مناص من عزله جعلتها كما قيل : «بيدي لا بيد عمر» وحفظا لناموسها وسلطتها ، فعجلت بإرسال أمر بسلك الكهرباء إلى إسماعيل باشا تعلمه بعزله ، وأمر آخر إلى إبنه الخديوي الحالي محمد توفيق تأمره بالولاية وتسلم زمام الأمر وذلك سنة ١٢٩٦ ه ، ثم سافر إسماعيل إلى إيطاليا بحريمه وأبنائه وبقي ساكنا في نابلي بقصر لحكومة إيطاليا ، وتصرف الخديوي توفيق في مصر بواسطة الوزراء وجعل رئيس الوزارة مصطفى رياض باشا (١) وجعل لكل من إنكلاتيره وفرنسا مراقبا ماليا يحضر مجلس الوزراء وله صوت فيه ، بحيث لا يمضي شيء إلا ما وافق عليه المراقبان ، وقسمت مداخيل الحكومة على قسمين :
أحدهما : لفائض الديون ، وقدر تلك الديون نحو ألفي مليون فرنك ومقدار ما عين لفائضها واستهلاك أصلها نحو مائة وستين مليونا فرنكا سنويا والباقي من مداخيل الحكومة يدفع منه خراج الدولة العثمانية وبقية مصاريف الحكومة ، وجرى التصرف للوزارة بدون مجلس النوّاب مع وعد الخديوي عند ولايته بفتحه وإجراء مقتضاه ، إلى أن ظهر للوزارة أن تحدث قانونا في رتب العسكر ، كان من مقتضاه أن أبناء مصر العارفين بالكتابة والقراءة لا يتجاوزون رتبة رئيس الألف أي بين باشي والذي لا يعرف ذلك لا يستولي إلا رتبة رئيس عشرة ، وبقية الرتب يتولاها الدخيلون في مصر كالترك والإفرنج ، فامتنع من الإمضاء على القانون في وزارة الحرب عدة من أمراء الإيالات معلنين بأن ذلك خلاف الإنصاف فسجنهم وزير الحرب فثارت العساكر وأخرجوهم من السجن وأحاطوا بقصر الخديوي طالبين عزل
__________________
(١) هو مصطفى رياض «باشا» بن إسماعيل بن أحمد بن حسن الوزان (١٢٥٠ ـ ١٣٢٩ ه) وزير عصامي مصري. اشتهر. بمناصرته للصحافة. ولد بالقاهرة وتوفي بالإسكندرية. ودفن بالقاهرة. الأعلام ٧ / ٢٣٣ المقتطف ٣٩ / ١٠٥ ، مرآة العصر ١ / ٧٤.