على صاحبه أفضل الصلاة والسلام في جهتها الشمالية الغربية وقد جدد الحرم الشريف والمسجد السلطان عبد المجيد (١) فكان المسجد وحده مائة وخمسة وخمسين ذراعا طولا أي من الجنوب إلى الشمال ، وعرضه مشرقا مغربا من جهة الجنوب مائة وخمسة عشر ذراعا ومن جهة الشمال ثمانية وثمانون ذراعا ونحو تلك المسافة أيضا صحن المسجد الذي هو جهة الشمال ، ومحيط به رواقات وكله من بناء ضخم مرفوعة قبابه على أقواس قائمة على إسطوانات من المرمر الأحمر المأخوذ من مقاطع حجازية قرب المدينة ، وكذلك عواضد الأبواب وصحن المسجد تحيط به رواقات وما عداها مكشوف وليس بين المسجد والصحن أبواب ، وباب السلام من غربي المسجد قرب حائط القبلة والمحراب في نحو ثلثي عرض المسجد أعني أنه أقرب إلى الشرق حتى يكون قبالة المحراب النبوي الأصلي ، لأن المسجد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام قد زيد فيه مرارا أولها : في خلافة سيدنا عمر رضياللهعنه حين ازدادت كثرة المسلمين ، وآخرها إلى الآن ما زاده السلطان عبد المجيد رحمهالله ، وكل من زاد فيه تحرى مواقف النبي عليه الصلاة والسلام لتبقى محفوظة ، فلذلك وإن زيد في جهة القبلة حتى صار حائطها يبعد عن حرم الحجرة الشريفة نحو الثمانية أذرع مع أن حائط القبلة كان مساويا لحائط الحجرة ، لكن بقيت بقعة المحراب الأصلي معلما عليها والمحراب الجديد قبالته ، أما المنبر فهو وإن تغيرت ذاته لكن محله لم يتغير وهو الآن من المرمر المتقن والأصلي من خشب ، وأما الحجرة الشريفة فالأصلية عليها بناء ضخم مستطيل من الغرب إلى الشرق وعليه قبة عالية أرفع من سائر قباب المسجد وداخلها القبر الشريف المكرم لصق الحائط القبلى من جهة الغرب ، ويليه قبر الصديق رضياللهعنه لجهة الشمال متأخرا إلى المشرق بحيث أن رأس الصديق رضياللهعنه مسامتة لأسفل من رأس رسول الله صلىاللهعليهوسلم بنحو ذراع وذلك تأدبا من الصحابة مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم يليه شمالا أيضا بانحراف للغرب قبر الفاروق رضي الله تعالى عنه وهاته الحجرة لا يدخلها أحد ، ووراء حيطانها من خارج شباك من حديد متين متصلة قواعده برصاص مذاب غليظ الحجم مالىء للأساس إلى عمق عميق حتى اتصل بطبقة الماء في الأرض ، والسبب في وضعه هو أنه كان في مدة السلطان نور الدين الشهيد (٢) بمصر حدث حادث عظيم بالمدينة
__________________
(١) هو عبد المجيد الأول (١٨٢٣ ـ ١٨٦١ م) سلطان عثماني. خلف أباه محمود الثاني (١٨٣٩) من أعم أحداث عهده حرب القوم (١٨٥٣). أجرى إصلاحات إدارية وفكرية واجتماعية عرفت بالتنظيمات.
(٢) هو محمود بن زنكي (عماد الدين) ابن أقسنقر ، أبو القاسم ، نور الدين الملقب بالملك العادل ، (٥١١ ـ ٥٦٩ ه). ملك الشام وديار الجزيرة ومصر. وهو أعدل ملوك زمانه. ولد في حلب. ضم دمشق إلى ملكة مدة عشرين سنة. عارفا بالفقه على مذهب أبي حنيفة. سمع الحديث من جماعة وسمع منه جماعة كان يتمنى أن يموت شهيدا. فمات بعلة «الخوانيق» في قلعة دمشق ، فقيل له «الشهيد» وقبره في المدرسة النورية. الأعلام ٧ / ١٧٠ ، الكامل في التاريخ ١١ / ١٥١ تاريخ ابن الوردي ٢ / ٨٣ وفيات الأعيان ٢ / ٨٧ مرآة الزمان ٨ / ٣٠٥ الدارس ١ / ٩٩ و ٣٣١ والنجوم الزاهرة ٦ / ٧١. شذرات الذهب ٤ / ٢٢٩.