إليهم كل من أراد الحج بخيامه وسائر لوازمه كل حسب مستطاعه ، ويحصل يوم خروج المحمل من دار الخلافة موكب مشهود ثم يسافر الركب نهارا ويقيم ليلا على مراحل معلومة إلى أن يصل إلى مكة ، وكلما مر على بلد انضم إليه حجاجها وقد بقي الحال الآن على ذلك سوى كون السفر من الآستانة إلى مرسى بيروت صار بحرا ، ثم من بيروت إلى دمشق الشام يسافر من غير أبهة ولا انتظام ، ومن دمشق ترتب له العساكر وغير ذلك ويسافر على نحو ما ذكر ، وعلى نحو منه الركب المصري ، وأما القوافل من الجهات البرية فإنها تأتي كل قافلة عليها نحو شيخ للرفقاء ويسافرون حسب مستطاعهم ، فإذا اجتمع الجميع في مكة ولكل منهم مكان يخصه للإقامة فيه ، خرجوا اليوم الثامن من ذي الحجة إلى منى ومنها إلى عرفات وهم محرمون ، فيقفون يوم عرفة وبعيد الغروب يفيضون إلى المزدلفة ثم قبل الشروق يأتون إلى منى وذلك يوم العيد ، ويقيمون ثلاثة أيام لأداء المناسك ، ويحصل ليلة ثاني العيد أفراح عظيمة من معسكري الأركاب بالألعاب النارية وأعمال صور حربية بالمشاهدة لكي يحصل إرهاب الأعراب من الحركات العسكرية وسرعة سلاحهم وعظم مدافعهم ، ثم في صبيحة يوم ثاني العيد يحصل موكب عظيم في منى لدى فسطاط الشريف أمير مكة ، فيحضره الوالي وأمراء الأركاب ورئيس العساكر بالحجاز وسائر الأعيان من أهل مكة والحجاج كلهم بالملابس الرسمية.
ولما يحتبك الموكب يخرج السيد الأمير الشريف ويقف في الصدر وتقف الناس حوله على حسب مراتبهم ، ثم يتلى المنشور السلطاني المؤذن بالثناء على الأمير وتقليده الأمارة أو إبقائه فيها وتحريضه على إدامة الأمن والقيام الواجب بحقوق الحرمين والأهالي وهو باللغة التركية ، ثم يتلى تعريبه. ثم يخلع عليه أمير الركب الشامي الخلعة التي يرسلها أمير المؤمنين إلى أمير مكة السيد الشريف وهي جبة من الجوخ واسعة سوداء مطرزة بالذهب ، ثم يقبل الجميع بالتهنئة للسيد الأمير ثم يتفرق الناس لتهنئة بعضهم بعضا ، ثم يسافر كل ركب بعد عوده إلى مكة في يوم معين بعد أداء جميع المناسك وتسليم الأموال لأصحابها والمقيضين بها من الأمراء والرؤساء ، وكل منهم أي الأركاب يعود إلى بلده على الطريق الذي قدم منه ويكون كل ركب كأنه بلد راحل يحصل فيه من النزهة والإنشراح لذوي اليسار ما ترغب فيه النفوس ، هذا ولا يخفى أن مناسك الحج مقررة في كتب الفقه بل وقد خصت بتآليف منفردة لعلماء كثيرين فلا يمكن لنا الإتيان بذكرها لأنها خارجة عن الموضوع وإنما الذي يناسب ذكره هنا هو :
إن الحج من أحد أركان الإسلام الخمس وهي : كلمة الشهادة أي أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصيام رمضان ، وحج البيت على من استطاع إليه سبيلا ، وهو فرض مرة في العمر ويندب تكراره كلما استطاع الإنسان ، وقد ذكر العلماء حكمة مشروعيته كما ذكروا الحكمة في مشروعية جميع الأركان ، وحاصل ما أشاروا إليه هو كونه شكرا لله على ما منحنا به من نعمة السلطة على الأنعام أي الحيوانات