صلىاللهعليهوسلم التي لا تحصى فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما وهما في أول القرن الثالث حديث «لا تقوم الساعة حتى تظهر نار الحجاز» (١) وللبخاري «تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى» ورواياتها كثيرة حتى كان في إحداها تعيين محل خروجها وإنذار الساكنين به منها فكان الأمر كما قال صلىاللهعليهوسلم.
وبقية جبال الحجاز كثيرة منها المشهور كأحد ، وأبي قبيس ، وعرفات ، وهو ليس بمرتفع ، ومن أحسن جبالها هواء الطائف فإنه في شدة الصيف يكون معتدل الهواء وهو مصيف أعيان مكة وجدة ، وأما أنهر الحجاز فليس به نهر مستديم وإنما تسيل الأنهر به عند نزول المطر حتى أن أحدها يأتي من جبال الطائف ويمر على المدينة المنورة على صاحبها أكمل الصلاة والسلام ثم يذهب مغربا إلى البحر ، وأما البحيرات فليس بالحجاز بحيرة ، وأما العيون فبها عيون عظيمة عذبة ، إحداها : العين الزرقاء التي تسقي المدينة وهي نابعة من قباء تحت الأرض في عمق عدة أذرع وتذهب إلى المدينة تحت الأرض وعليها عدة منافذ لملىء الماء وفيها الكفاية لجميع البلد وما حولها ، وإنما سميت الزرقاء نسبة لجاذبها مروان بن الحكم (٢) أزرق العينين أجراها بأمر معاوية رضياللهعنه ، ومنها عين زبيدة التي تسقى بها مكة وهي آتية من قرب عرفات تحت الأرض مثل السابقة وقد أجرتها زبيدة زوج الرشيد العباسي ، وقد عمرت الآن عمارة حسنة صارت بها في غاية الإنتظام ، ومنها عين بلد الصفراء وهي أيضا تحت الأرض لكنها ليست بمنخفضة بل أنها تبعد عن سطح الأرض نحو ذراعين وبها ماء غزير صاف عذب حار يشرب ، فإذا حمل في الأواني برد وهي تغور بعد البلد في الأرض ولا ينتفع منها إلا بشيء يسير للشرب وسقي بعض بساتين ، ومثلها عين بلد الجديدة مع أن كلا منهما يصلح لسقي غابة عظيمة مع حسن الماء وجودته ، فقد شاهدت عين الصفراء وقد أناخت حولها قافلتنا المحتوية على أزيد من ستمائة نسمة وهرع إلى العين جميعهم لغسل أبدانهم وثيابهم بل ولغسل أكراش الغنم التي ذبحت يومها في القافلة ، ومع تراكم تلك الأوساخ كنت أرى الحصباء كالفضة في مجرى العين والماء يزيد عمقه عن ذراعين.
__________________
(١) أخرجه البخاري برقم (٧١١٨) : ومسلم في الفتن باب (١٤) رقم (٤٢) والتبريزي في مشكاة المصابيح (٥٤٤٦) والمتقي الهندي في كنز العمال (٣٨٨٨٣) والحاكم في المستدرك ٤ / ٤٤٣ والسيوطي في الدر المنثور ٦ / ٥٥.
(٢) هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، أبو عبد الملك (٢ ـ ٦٥ ه). خليفة أموي ، وأول من ملك من بني الحكم بن أبي العاص. وإليه ينسب «بنو مروان». ولد بمكة. قاتل في معركة الجمل قتالا شديدا. وشهد صفين. توفي في دمشق بالطاعون. وقيل : غطته زوجته «أم خالد» بوسادة وهو نائم فقتلته. الأعلام ٧ / ٢٠٧ ، أسد الغابة ٤ / ٣٤٨ ، تهذيب التهذيب ١٠ / ٩١ تاريخ الطبري ٧ / ٣٤ الكامل في التاريخ ٤ / ٧٤.