أو معنى فالأهالي نافرون منه وإن كان بعضهم له الحرية والقوانين ، كما أن ما كان تحت البابا كان يجري فيه الظلم بحسب الشهوات فدام الحال على ذلك إلى سنة ١٢٦٩ ه سنة ١٨٥٢ م حيث وقعت الحرب بين الدولة العثمانية والروسيا وتعاضدت فرنسا وانكلترة على إعانة الدولة العثمانية ، وكان ملك دولة الساردو المذكور ملكا عاقلا واستوزر وزيرا ذا دهاء وفطنة وهو «كافور» (١) وكان يأتمنه وينقاد إلى نصائحه ، كما أن الأهالي لهم اعتماد على صدقه ووفائه بحقوق الوطن وكان فيه من الأهلية ما أعانه على اتحاد إيطاليا بتدبيره وسعيه كما سيتلى عليك ، فقد عمل الجهد واتفق مع فرنسا على إعانة الدولة العثمانية في الحرب المذكورة وأرسل عساكره البالغة إثني عشرة ألفا وسفنه مع قوات الدولة الكبيرة ، وكان ذلك أول خطوة لإيطاليا في الدخول في زمرة الدول العظام في الأعصر الأخيرة ، ثم بعد وقوع الصلح وقع الإتفاق بين دولة الساردو ودولة فرنسا على إخراج ما بيد النمسا من إيطاليا وضمه إلى دولة الساردو على أن تعطي هاته إلى فرنسا وطني ساقوي ونيس ، اللذان هما في حدود فرنسا جهة إيطاليا حول الشاطىء بدعوى أن أصلهما من جنس الفرنسيس ، وأسس «نابليون الثالث» ملك فرنسا من ذلك الوقت قاعدة اتحاد الجنسية أي أن كل جنس من البشر له حق الوحدة في انتشائه دولة مستقلة إذا كانت فيه أهلية لذلك ، وساعده على هذا المقصد كون مملكة فرنسا كلها جنسها متحد فرنساوي فلا يخشى على مملكته من تلك القاعدة ، كما أن مستعمراتها يدعى أن ليس لأهلها أهلية لدعوى الوحدة وعند حصولها لهم لا يمنعهم من ذلك وعند إشهاره لهاته القاعدة وإرادته الإعانة على إنفاذها في العالم كان عقلاء الفرنسيس معارضين له فيها ، ومن أشهر المضادين له «تيرس» ذو الشهرة بالتدبير والسياسة وكان يصرخ في مجلس الندوة أن هاتيك القاعدة تؤل بالوبال على فرنسا لا من حيث الخوف من تفرق أهلها لأنهم من جنس واحد ولكن من جهة تقوي جيرانها كإيطاليا وألمانيا ، فإن الجار إذا كان ضعيفا فجاره القوي يكون آمنا منه بل يكون له النفوذ فيه بخلاف الجار القوي فإنه يأبى الضيم ويقع معه التشاحن المؤدي إلى الحرب التي تجهل عاقبتها فضلا عما تستلزمه من الخسائر المحققة في الدماء والأموال ، غير أن صراخه لم يثمر شيئا لأن دولة فرنسا في مدة إمبراطورية «نابليون الثالث» ولئن كانت قانونية شورية ظاهرا فإنها في الباطن استبدادية في السياسة العامة وكل ما يريده الإمبراطور يتمم غرضه فيه ، ولذلك أعلنت دولة فرنسا بطلب النمسا أن تسلم في الولايات الطليانية لدولة الساردو وأعلنت الحرب لذلك وتعاضدت فرنسا والساردو على حرب النمسا وحدها ، وقد كانت أنشئت جمعية أهلية طليانية تسمى جمعية وحدة إيطاليا تحت رياسة رجل منهم شهير بالشجاعة وحب الوطن وهو «كاري بالدي» وتعسكر تحته كثير من المتطوعين الطليانيين من
__________________
(١) هو كافور (Cavour) (١٨١٠ ـ ١٨٦١) ولد في تورينو وهو من كبار رجال السياسة الإيطاليين وأحد العاملين في سبيل وحدة بلاده المصدر السابق ص (٥٨١).