الأمير فيما يراه من معاقبة بعض القبائل بل هو على حسب ما يظهر له في الواقعة وعند مخالفته في الرأي للأمير يخبر أن الدولة معا لتأمر بما تراه ، وكذلك أمر العاشر أي الكمرك في المراسي البحريّة استبدّت به الدولة وحدها بمأمورين ترسلهم من طرفها ، ونشأ عن ذلك في أول الأمر قلاقل ومحاربات أفضت إلى إبدال الأمير بغيره من فروع عائلته الكريمة ، ولم يزل يزداد تداخل الدولة في التصرفات الداخليّة إلى أن جعلت واليا على الحجاز من أحد كبار رجال دولتها مثل بقيّة ولاياتها ، مع بقاء سيادة الأمير على منصبه واعتبار نفوذ أوامره على الإطلاق ، ولا يخفى ما في وجود آمرين على مأمور واحد في زمن واحد من الإضطراب ، ونشأ أيضا عن ذلك الإحتراس أن الدولة صارت تستدعي من يلي سيادة الأمير في السن من عائلته ليبقى بتخت السلطنة ويتخلق بأخلاق الدولة ويتعرف سياستها الداخليّة والخارجيّة ، لأنه هو وليّ عهد الأمير فإذا آلت له الولاية كان عالما بأحوال الدولة التي هو خاضع لها ، وتقلده الدولة مدة إقامته بتخت السلطنة رتبة الوزارة والمشيريّة وتجعله عضوا بمجلس شورى الدولة الذي يرجع إليه غالب التدبير في أغلب مصالح الدولة الداخليّة هكذا ظاهر الحال ، ونعم المسلك لو يكون هو الأمير والوالي بحيث تحدد له الدولة تصرفاته على نحو بقيّة ولاتها غير أنه ينفرد بكونه ممتازا بعدم خروج الإمارة عنه وعن عائلته ، وبكون الإدارة في إمارته تجري على طبق الشريعة المطهرة مع غاية الإحتراس عن البدع التي لا داعي لشيء منها هناك ، لكنهم اقتصروا على خصوص الفائدة في إبقاء ولي العهد بالتخت لمآرب للدولة ربما احتاجت إليها معه سيادة الأمير نسأل الله التوفيق.
والجاري الآن هو أن يختص سيادة الأمير بالأمر والنهي والولاية والعزل في جميع قبائل الأعراب ، وكذلك الوظائف المتعلقة بالبيت الحرام من إمامة وخطابة وغيرها ، إلّا أنه ينهي إلى الدولة ما يراه في كبارها لتصدر الأوامر السلطانيّة على حسب ما ينهيه ، وعلى نحو من ذلك الوظائف الدينيّة بخصوص مكة كالفتوى في المذاهب ونقابة الأشراف وما شاكلها ، وأما القاضي فإنه يرسل إلى مكة قاض وإلى المدينة المنوّرة قاض من تخت السلطنة على نحو بقيّة ولاياتها ، وكذلك بقيّة الولايات العرفيّة كلها تتصرف فيها الدولة.
والحاصل أن الذي استقرّ عليه الحال الآن هو اختصاص الأمير بأمر قبائل الاعراب ما لم يستدع الحال محاربتهم ، وبعض الوظائف في خصوص مكة ممّا مرجعه الديانة كأئمة الصلاة في البيت الحرام من المذاهب الأربعة ، وهم وإن كانوا أربعة الآن لكنهم لم يقع استقرارهم هكذا في زمن واحد ، بل كان الأمر أولا إمام واحد شافعي ثم زيد ثان من المذهب الحنفي ثم آخر من الحنبلي ثم آخر من المالكي في أزمان متباعدة بحسب المناسبات في اتباع ذلك المذهب ونفوذهم لدى الدولة الحاكمة ، وهكذا الأمر في أئمة المسجد النبوي على صاحبه أكمل الصلاة والسلام وعلى آله فإن الإمام المالكي لم ينصب إلّا في عشرة التسعين من القرن الثالث عشر.
وأما بقيّة مدن الحجاز التي هي المدينة المنوّرة وجدّة ، فأما المدينة المنورة ففيها