محافظ وهو كبير العساكر وشيخ الحرم النبوي على صاحبه أكمل الصلاة والسلام وقاض ، وكلهم يأتون من تخت السلطنة ، وفيها مفت وأئماء وخطباء وأمين الخزنة مع وظائف أخر صغيرة ، وهؤلاء المتوظفون سيما أصحاب الإدارة والحكم تابعون لوالي الحجاز مع بعض امتياز لهم في مخاطبتهم للدولة رأسا.
وأما جدّة فمتوظفوها مثل متوظفي بقيّة مدن المملكة العثمانيّة ما عدا المجالس الحكميّة القانونيّة ، لأن الأحكام سيأتي بيانها وأنها على خلاف بقيّة الممالك العثمانيّة إذ لا مجالس عرفيّة بها ، فإجمال الحال أن الإدارة السياسيّة مرجعها هو سيادة الإمير مع الوالي اللذان يرجعان جميعا إلى ما تراه الدولة العثمانيّة.
وكليات الإدارة الآن هناك ليس فيها مكوس ولا ضرائب ما عدا الكمرك على الواردات البحريّة وبعض أعشار على النخيل في القبائل الخاضعة حقيقة وكل هؤلاء القبائل لا يدفعون شيئا إلى الحكومة ولا إلى الأمير ، بل أن خضوعهم الذي ذكرناه إلى سيادة الأمير في الحقيقة هو ظاهري فقط ، وإنما يختلف الحال فيها بحسب الزمان وشدة الطغيان في الإنقياد وعدمه ، وبعض الجهلة ينسبون ذلك إلى إرادة بعض الأمراء من العائلة الشريفة معللين ذلك لأن بقاءهم في الإمارة إنما هو لإخضاعهم تلك القبائل فهم لا يريدون أن يكسروا شوكة القبائل بالمرة حتى تجري فيهم الأحكام مثل غيرهم ، ويدخلون تحت قياد المذلة إذ ربما استغنت إذ ذاك الدولة عن الأمراء الأشراف ، والحق ليس كذلك فإن بعض هؤلاء الأمراء قد أخضعوا جميع القبائل إلى الأحكام حقيقة منذ عهد ليس ببعيد زمن السلطان عبد المجيد وولاية المولى المقدس الأمير الشريف عبد الله بن عون عند ما ساعدته الدولة وعملت برأيه وأمدته بالعساكر مثل ما أراد ، والباعث الحقيقي على إهمالهم هو عدم مساعدة الدولة للأمراء على إخضاعهم متعللا رجالها في الظاهر باحترام هاتيك البقاع الكريمة ومراعاة مجاوريها وسلاطين آل عثمان احترامهم وتعظيمهم لشعائر الدين وتوقيره شنشنة معروفة قديما وحديثا ولذلك يوافقون على مثل تلك النصيحة على أنها ربما كان باطنها غير ذلك وهو عدم استفادة أولئك الرجال من إنقياد تلك القبائل ، لأنهم وإن خضعوا حق الخضوع فلا مساغ لضرب شيء من الضرائب عليهم لا سرّا ولا جهرا ، فتكون فائدة خضوعهم راجعة لسيادة الأمير وحده من نفاذ أحكامه وأوامره فيها فيظهر أولئك الرجال النصيحة إلى السلاطين على نحو ما قدمناه ، مع أن إخضاعهم واجب شرعا لأمن السبل وحفظ الحجاج من التعدي وإقبال تلك القبائل على عمران أراضيهم ، لأنهم الآن زيادة عن عدم دفعهم للدولة ولا للأمير حتى أعشار إبلهم فهم يأخذون من الدولة أموالا في كل سنة بمجرد محافظتهم على أمن السبل ولا يؤخذ منهم شيء من المال قل أو جل ، غير أنه قد كان في أواسط القرن الثالث عشر رجل من قبيلة حرب يسمى الشيخ سعد قد تقوى بدهائه على اتحاد جميع قبيلته وعظمت شوكته بانقياد غيرهم من القبائل أيضا ولم يخضع إلى الحكومة قط ، إلّا أنه إذا أخذ المرتبات التي أشرنا إليها أمن طريق الحاج إلى المدينة