ومن غريب ما سمعته عنه : أنه كان مرة يتفقد في جهات ولايته على ذلك الجبل فصادف أنّه يتفقد الجهة القريبة من طرابلس الشام ويصل إلى تلك الجهة آخر النهار وليس بقربه مكان صالح للمبيت إلّا بلد طرابلس ، فأرسل من صباح اليوم إلى متصرفها أي حاكمها يعلمه بأنه يبيت ضيفه وكان الوقت رمضان فعرضه آخر النهار ذلك المتصرف وعلماء البلد ووجهاؤها ثم دخلوا جميعا إلى دار المتصرف وجلسوا في إيوانها كلهم فدخل الخدمة بأطباق المشروبات المبردة والحلويات وكان الغروب لم يقع وكان هو أي رستم باشا لا زال على دين نصرانيته لكنه لما رأى تلك الأطباق داخلة وعلماء البلد ووجهاؤها جالسون اكفهرّ وجه وقال للمتصرف : ما هذا؟ فأجابه بأنه مشروبات مبردة ، فقال الباشا : أليس هذا رمضان؟ فتبسم المتصرف وقال تملقا من غير أن يريد إظهار قصده لمخالفة الدين نعم هو رمضان ولكن جنابكم مسافر وأنا أيضا مثلكم وها أنا ابتدىء بذلك وأخذ الكاس وشرب ، فاشتدّ حنق الباشا عليه وخاطبه بشدة بما معناه أنك إن كنت لم تراع ديانتك فأنا يجب عليّ أن أراعي دولتي ووظيفتي لأني متوظف ووزير لخليفة المسلمين وهذا المقام إنما جاءني منه وهاته البلاد بلاد مسلمين وهؤلاء الجمع مسلمون جاؤني لأجل وظيفتي فهبني نصرانيّا فإني أذب على الشعائر الإسلاميّة التي صرت بها أنا من أنا واقتدر بها على احتقارك وطردك أيضا من هنا فاخرج حالا حيث لم تراع سلطانك وإمامك الذي هو خليفة المسلمين ولا أهل البلاد التي أنت عليها ولا أنا الذي تعدني ضيفا ، فخرج المتصرف من المجلس وشكر الحاضرون كلهم عمل ذلك الباشا فقال لهم : ما فعلت هذا لأشكر وإنما هي واجباتي أديتها. ولعمري أن مثل هذا الرجل يحق أن يستخدم ويا ليت متوظفي الدولة كلهم على نمطه كثر الله من المخلصين الناصحين أمثاله ووفقه لسعادة الدارين.
وحاصل وصف هاته البلد هي أنها بلد جميلة المنظر لأن ديارها محسنة الحيطان من خارج وحسن أكثر طرقها غير أن بجانبي الطريق مجاري للمياه على عمق شبر مكشوفة ربما أضرت بالمارين ، والبناء طينه مخلط بالجير فهو حسن المنظر ويقرب شكل الديار من ديار تونس غير أنهم يجعلون لبعض الديار ذات الطبقات درجا مكشوفة في البطحاآت الخاصة بالديار ، وجعل في البلد طريق للعجلات وهذا الطريق واصل إلى دمشق الشام جعلته جمعيّة إفرنجيّة منتظم السير في أوقات معلومة وكراء معين وتغير الخيل في مراكز معينة ليلا ونهارا وكنت أردت الذهاب فيه إلى دمشق لكن قصر الوقت مع تعطل السير في الطريق لكثرة الثلوج منعني من ذلك.
وأعظم جوامع البلد الجامع المنسوب لسيدنا يحيى عليهالسلام وهو جامع واسع نظيف وكذلك بقيّة جوامعها نظيفة وحماماتها جميلة نظيفة جدّا متقنة التحسين بأنواع المرمر وفوارات المياه وبها أسواق جميلة وإن كانت صغيرة على نسبة البلاد لأن البلد الأصليّة صغيرة ، وكثر حولها البناء المتقن على أشكال شتى منها قصر بديع صالح للملوك وحوله