الأربعاء بعد الزوال بخمس ساعات وكان في البحر شيء من الإضطراب فحصل لي شيء من الدوار واشتدّ الأمر لما جاوزنا رأس غار الملح فاضطجعت في فراشي وأوفق الحالات للإنسان هي الإضطجاع ، وهذا الدوّار البحري من أشد الأمراض لمن يصاب به وبعض من الناس لا يعتريه شيء منه وإن لم يكن متعودا ، وقد كنت قبل الركوب استعملت بإشارة الطبيب ثلاثة حقنات في الجلد من العلاج المسكن لكي لا يزيد عليّ ألم البحر الألم العصبي ومن فضل الله لم يعترضني ذلك الألم مدة الطريق ، وبقيت الحال كذلك إلى أن وصلنا إلى جزيرة سردانيا قرب مرسى كالاري فدخلت الباخرة في جون محاط بالجبال عن بعد فسكن البحر ونشطت وهو من غرائب مرض البحر إذ شدته تقضي أن الإنسان يبقى معه التعب وهو بخلاف ذلك لأنه إذا انقطع الإضطراب يحصل النشاط إلا قليلا ، ولما نشطت صعدت إلى سطح الباخرة فرأيت الجبال محيطة بنا وهي جبال أكثرها صلد لا غابات بها ومنظرها ليس بحسن وأغلبها خال عن العمران لأن التمدن لم ينبسط في تلك الجزيرة ، ولم نزل سائرين في ذلك الجون نحو ثلاث ساعات وكانت الباخرة تسير عشرة أميال في الساعة إلى أن أرسينا في مرسى كالاري التي هي تابعة لإيطاليا وكان ذلك صبيحة يوم الخميس قبيل الزوال ، فإذا بالمرسى مبنية بالرصيف لأمن السفن بحيث تستطيع أعظم سفينة أن تلصق بالبر مع الأمن من اضطراب البحر واللاصقة بالبر ، ينزل سلمها على ذات البر وفي المرسى كثير من السفن والبواخر لأن موقعها متوسط فيأتيها البريد من جهات ويفرق على بواخر كل تذهب إلى جهة من الممالك المشرقية والمغربية ، ثم يحمل من الجزيرة في السفن الملح والغلال والأثمار إلى كثير من الجهات. ثم نزلنا من الباخرة في زورق كراؤه فرنك واحد والزوارق كثيرة تحيط بالبواخر وأصحابها سيؤ الأخلاق مع المسافرين يغرونهم بالركوب قبل المساومة في الأجر ، فإذا نزل طلبوا منه أضعاف القيمة وربما سرقوا ما وجدوه معه إن أمكنهم وذاك ديدنهم في كل المراسي لكنا ساومنا قبل الركوب.
ودخلنا البلد فإذا هي بلد غير متمصرة وأغلب طرقها ضيق وأبنيتها على النحو الأوروباوي الآتي بيانه ولا تزيد طبقات دورها على أربعة وهي بلدة متصاعدة في الجبل وطرقها جميعا مبلطة ، فالذي تمر فيه العجلات يكون محصبا وغيره محجر بحجارة غير مسواة ولذلك كان منظرها والمشي بها متعبا ، وترى الحبال ممتدة بين شبابيك الديار من إحدى الجهات إلى ما يقابلها لنشر الثياب المغسولة عليها ، وفرش الديار مثل الفرش الأروباوية وبأعلى البلد بستان عمومي منتزه للعامة وتأتيه الموسيقى العسكرية لبسط العامة عشية الأحد والأعياد وفيه ماء نابع حلو وبه أشجار صغيرة مهيأة للبيع في أوقاتها ، وفي البلد منازل للمسافرين منها الحسن ومنها ما هو دونه وبها حوانيت وبطحاآت غير متسعة جدا وبها قهاوي ، ويباع بحوانيتها جميع ما يوجد غالبا من الضروريات والحاجيات والتحسينيات ، وفيها مستشفى ومدارس للتعليم في مبادىء الفنون ، وبها مطابع أيضا وفيها صحف يومية نحو الأربعة ، وهواء البلد رديء تكثر فيها الحميات في الصيف لمجاورتها