لسبخة وهاته السبخة يستخدم فيها أصحاب الجرائم الثقيلة المحكوم عليهم من محاكم إيطاليا ، وفيها معمل كبير من البناء لذلك مجلوب له الماء في قناة من البناء مجتازة قرب شاطىء البحر ظاهرة للناظر ، وبسبب تلك السبخة فسد هواء كالاري حتى يقال : إن عدد أهلها كل عام في نقصان ، وقد شرع في مد طريق حديدية من هاته البلدة التي موقعها في الجنوب الغربي من الجزيرة التي هي مستطيلة من الجنوب إلى الشمال وينتهي الطريق في الشمالي الشرقي من الجزيرة ، غير أنه لم يتم إلى الآن ولا زال العمل فيه ، ثم أهل البلد على قسمين :
الأول : الأعيان والوافدون وكلاهما لباسهم مثل لباس الأوروباويين.
والثاني : بقية الأهالي ومثلهم بقية سكان البوادي والقرى في الجزيرة يلبسون جلود الغنم يصوفها ، فالصوف مما يلي البدن والجلد من أعلى ، وهيئة اللبس هي صدرية ومنتان وسراويل نحو السراويل التونسية لكن يجعلون على الساق ألبسة مربوطة والنعال خشنة ذات مسامير كبيرة وعلى رؤوسهم عرارق من الصوف أو قلانس من الصوف المنسوج طوال مدلاة على أكتفاهم ، والنسوة يلبسن قريبا من نسوة أوروبا لكن على شكل غير نضر ، وفي أرجل أغلبهن قباقب من خشب ولغتهم طليانية والغالب هو عدم التمدن والأكل رخيص هناك فالقهوة لثلاثة منا طلب صاحبها منا ستة صولدي والفرنك به عشرون صولدي كل صولدي خمسة سانتيم ، ثم ركبنا باخرة أخرى وهي التي توصلنا إلى نابلي بعد أن أحسنا إلى خدمة الطبقة التي كنا فيها وذلك من اللوازم في البواخر وكذلك الإحسان لخادمي المطاعم والقهاوي ومقدار الإحسان نحو خمسة في المائة مما يدفعه الدافع فإن كان أقل نوزع في ذلك وإن زاد شكر ، ونقلنا رحلنا إلى الثانية فأقلعت قرب الغروب وتوجهنا إلى نابلي فلم تزل الباخرة سائرة والبحر ساكن إلى أن خرجنا من الجون والتفتت الباخرة متوجهة إلى الشرق وأرخى الظلام سدوله فنمنا في مضاجعنا إلى الصباح فاستفقنا بكرة وحيث كان البحر في سكون كان يستطيع الإنسان أداء جميع ضرورياته والوضوء والصلاة على أكمل حال ، وبعد شروق الشمس أوّل ما اكتشفنا قرب نابلي جزيرة إسكيا وبها جبل مرتفع وهي تحتوي على قرى كثيرة ولها منظر جميل من بعد لارتفاع مبانيها وتزويقها من خارج ، ثم ظهر بركان نابلي وهو جبل مرتفع متصاعد من قمته دخان ثم وصلنا إلى مرسى نابلي والبلد في سفح الجبل وهي أكبر مدن إيطاليا وكانت تختا لملك النابلطان وسكانها نحو أربعمائة ألف نسمة ، وهي محيطة بجون في البحر على شكل هلال والمرسى في الوسط وهي مرسى صناعية أكبر من مرسى كالاري ، غير أن السفن في وقت وصولنا إليها أقل من الأولى فتعرض لنا عند إرساء الباخرة أحد المعارف في زورق لأنه بلغه خبر قدومنا بسلك الإشارة من كالاري ، فاصطحبنا جميعا ومررنا بوسط الكمرك ونظر المكلفون به رحلنا فلم يجدوا به شيئا يؤدي الكمرك سوى شيء من النشوق وماء الزهر ، فأخذوا ما عليهما من الضريبة.