ثم ركبنا بكروستين من الكراريس الموجودة في بطحاء الكمرك مهيأة لمن يريد الركوب وهي كراريس نظيفة أغلبها يركب راكبين فقط من النوع الذي يفتح سقفه إلى خلف ومثلها موجود في أغلب الجهات الكثيرة العمران من البلاد وتجرها الخيل ، وأما عجلات حمل الأثقال فتجرها الخيل والبغال والبقر وهكذا في غيرها من البلدان غير أن البقر لا تستعمل في الجر في أعالي إيطاليا وفرنسا ، ثم نزلنا بأحد منازل المسافرين بعد أن ردنا فيه بيوتا على نحو ما يليق بنا وهو منزل كبير ذو خمس طبقات له شبابيك تفتح على نهج واسع يسمى طريق البوسطة وله شبابيك على بطحاء واسعة بها فوارتان للماء العذب المجلوب من الجبل الموزع على البلد وعلى ديارها وسائر مساكنها ، وكان الكراء لأربعتنا في اليوم للسكنى والأكل خمسة وعشرين فرنكا سواء أكلنا أم لا وما زاد على ذلك مما يطلبه الإنسان يؤتى به إليه لكنه يحسب عليه بثمنه كالورق للكتابة والشمع وغير ذلك بحيث أنه كل ما يطلبه يجده وإنما ينبغي للإنسان أن يساوم مدير المنزل قبل الإتيان بالشيء المطلوب وإلا فإنه يحمل عليه بأسعار باهظة ، وأما الأشياء الضرورية فهي داخلة في أجرة السكن والأكل وهي أن يجد الإنسان بيتا ذا فراش للنوم بغطائه ولوازمه وكراسي مكسوة بالحرير وخزنة وعليها مرآة وساعة وسائر الضروريات ، ومصباح وشمعة ومائدة لوضع الكتب وآلات الكتابة ومناديل للتنشيف من الماء عند الغسل وهكذا سائر الضروريات إلا أبريق للمستراح فينبغي حمله إلى جميع جهات أوروبا إذ لا يوجد عندهم وليسوا بمتعودين عليه وهو من العادات اللازمة للسيرة الإسلامية والنظافة ، كما أنهم في أوروبا لا يغسلون أيديهم بعد الأكل أما قبله فمن آدابهم أن يغسل الإنسان يديه ووجهه في بيته ويأتي بيت الطعام بثياب نظيفة ، غير أن من أراد غسل فمه وأصابعه بعد الأكل فله أن يطلب من الخادم في بيت الطعام أن يأتيه بما يغسل به فيأتيه بصحن فيه قدح من الزجاج أو الخزف وفيه كأس به ماء حار قليلا مخلوط بشيء من روائح الطيب فيتمضمض به ويمج الماء في القدح ويدخل أصابعه في الكأس ويمسح بها شفتيه ثم يتمسح في منديل ، ثم إن بيت السكنى مفروش بالزرابي وعلى أبوابه أردية رفيعة وهو في غاية النظافة وله خادم لتنظيف البيت وتهيئة الفرش وعند الإستيقاظ يدعو الساكن الخادم فيأتيه بالقهوة وما يتفق عليه من الأكل صباحا ، ثم ينظف الخادم البيت ويغير المناديل وأردية الفراش إن كان بها أدنى وسخ.
وعند الظهر أو قبله بساعة يضرب جرس للتهيؤ للأكل ثم بعد خمسة عشرة دقيقة يضرب الجرس مرة أخرى لحضور الساكنين من بيوتهم إلى بيت الطعام وهو بيت متسع فيه مائدة كبيرة أو أزيد يجلس عليها الحاضرون فوق كراسي ويفرق عليهم الأكل سواء والأغلب أن يكون أربعة أنواع أو خمسة من اللحوم والطيور والسمك ثم نوع من الجبن ثم فاكهة ثم ينصرفون. ومن أراد الأكل في بيته فله ذلك غير أنه يحسب عليه بزيادة في الثمن أو يعطى أقل من ألوان المائدة العامة ، وكذلك وقت العشاء وهو في الأغلب بعد الفطور بسبع ساعات ولما كان المسافر يريد التفرج فالأولى أن لا يكتري المنزل إلا للسكنى وأما