ثم إن طرق البلاد عددها أزيد من ثلاثة آلاف طريق وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام.
الأول : يسمى «آفنو» وهو ما كان وسيعا جدا وحوله أشجار يمينا وشمالا ووراءها قصور.
والثاني : يسمى «بلغار» وهو ما كان أضيق من الأول ويزيد عليه بأن يكون تحت القصور حوانيت بهيجة.
والثالث : يسمى «رو» وهو بقية الطرقات.
ومن محاسن طرقها أنه يوجد فيها غالبا سيما الطرق العامة محلات للبول مستورة بشكل ظريف على هيئة قباب في وسط الطريق والماء بها جار كما توجد محلات الخلاء في غاية النظافة وهي أيضا كثيرة وذلك من واجبات البلدان الكبيرة لبعد الماشي عن محله وذاك أمر ضروري.
وأجمل الطرق منظرا هو البلغار الذي يشق البلاد تقريبا من الجنوب إلى الشمال ، وينتهي في جهة الشمال إلى البطحاء المسماة «بلاس لا كنكورد» ، فتتصل بها حديقة «الشانزي لزي» وتنتهي إلى البطحاء التي بوسطها قوس النصر ، المسمى «أرك دي ترنيونف». ويتفرع منها إثنا عشر نهجا ، وقد كنت في سفرتي الثانية سنة ١٢٩٥ ه نزلت بأحد هاته النهوج المسمى قديما «أفنوالامبراتريس» والآن «أفنوا بوادي بولونيا» وكان الوقت صيفا ، فركبت إحدى الليالي مع أحد أصدقائي من منزلي في كروسة يجرها فرسان وتوجهنا إلى جهة البلغار وكان ركوبنا في الساعة الثامنة بعد الزوال فسرنا خببا ساعة ونصفا ولم نصل لمنتهى البلغار من جهة الجنوب ، ثم رجعنا وقد قضينا السهر في الطريق ذهابا وإيابا مع المنظر الجميل والبهجة بنور المصابيح وكثرة ازدحام الماشين والعواجل.
وبالجملة فهذا البلغار هو مما انفردت به باريس على غيرها من المدن الشهيرة وهو في الليل أبهى منه في النهار لكثرة ما ينور به الطريق ، والحوانيت مع حسن وضعها وتزويق ظاهرها وتنميق ما يوضع بها من البضائع وجمال ذاتها وتنضيد ترصيفها ، وهذا البلغار له عدة أسماء باعتبار جهات منه. وقد كان إنشاء أصل هذا البلغار سنة ١٥٣٦ وكلما قرب إلى المنتهى جهة الجنوب قلت نضارته بالنسبة لنفسه في الجهات الأخرى والبلد وإن كانت تشمل بلغارات أخر كبلغار «هسمان» وغيره ، لكن ولا كالبلغار السابق.
والذي زاد باريس بهجة ضخامة أبنيتها وارتفاعها وتناسقها وتشابهها في الظاهر ، ثم في باريس أماكن أخر أنيقة فمنها : «بالي أروابال» جوار قصر ملكي سمي به ، وهو عبارة عن مربعين يتصل أحدهما بالآخر محيط بهما حوانيت تحت سرادقات وفوقها قصور ومطاعم وحمامات ومنازل ، وفي وسط أحد المريعين حديقة نضرة بوسطها حوض وفوارات وحولها قهاوي ومقاعد ، والحوانيت تشمل جميع ما يحتاج إليه فترى حانوتا منضدة بترصيف اليواقيت والجواهر ، وبإزائها حانوت أخرى منضدة باللحوم والخضراوات