وتلاصقها قهوة ذات متكئات وهكذا ، ولا يمل نظرك من تلك المناظر البهيجة ومع تباين أنواع المبيعات تجدها في غاية التناسب لما لها من الرونق والنظافة ، وتجد المبيعات هنا في غاية الغلاء ومع ذلك فلا تبور سلعهم لأن مترفي الأهالي يشترون الشيء لبائعه ومحل بيعه ، فباقة الزهر مثلا تشترى من هنا أو من البلغار بخمسمائة فرنك يهديها المترف لعزيزته بإسم صانع ربطها مع أنها تشمل زهرة من أمريكا وأخرى من الجابون وورقة من أواسط أفريقيا وهلم جرا ، وقد رأيت حانوتا تبيع الزهور في البلغار كراؤها خمسة عشر ألف فرنك في السنة وباع صاحبها باقة في رأس السنة بخمسمائة فرنك ، وهكذا حوانيت «بالي أروايال» وكان أكثر بياعي اليواقيت مركزهم هو هذا المحل فلذلك كان له زيادة في حسن المنظر إذ كل اللآلىء واليواقيت ترى مرصفة وراء أطباق الزجاج مكشوفة لكل ناظر ، وقد كان إنشاء هذا المحل سنة ١٦٢٩.
ومنها : حديقة شانزلزي وهي غيضة في طول ميل تقريبا وفي منتهاها قرب البطحاء تصير كأنها بستان أنيق ذو مماشي وقهاوي ومقاعد وملاهي ، منها ما يسمى «كافي شانتان» فإن الإنسان يقدر أن يتعشى فيها منفردا بأطيب ما يشتهي والموسيقى تعزف واللاعبون في الملهى يشعوذون ويغنون بالمضحكات ، وكذلك بها «كافي لمياشاد» على نحو ذلك. وفي أعلى الشانزي لزي بطحاء وسيعة يتصل بها إثنا عشر طريقا وبوسطها قوس النصر المسمى «أرك دي ترنيونف» الذي بناه نابليون الأول ورسم على حيطانه صورة جميع حروبه التي انتصر فيها ، وهو بناء مضخم جدا شاهق للغاية ذو أربعة أقواس متقابلة متصلة ببعضها ، يصعد إلى أعلاه بدرج داخل إحدى زواياه وعدد درجه مائتان وإحدى وسبعون درجة.
ومنها : «جردان مابيل» الذي يفتح ليلا وتخلل أوراق أشجاره زهوره بما يبدعون من الأنوار حتى يكون في أرضه وغصونه ما يبلغ عدة آلاف من المصابيح الملونة الزيت كألوان الزهور ، غير أن من له عرض يتحاشا الدخول إليه لكثرة من يدخله من المومسات ويصرن يرقصن هناك ويعبثن مع الرجال ، فقد سمعت من أخبار صحيفة «الديبا» الإنكار على الحكم في إطلاق تلك العاهرات حتى عبثوا بالصينيين الذين قدموا لمعرض باريس سنة ١٢٩٥ ه عندما دخلوا ليلا لذلك البستان للتفرج ، وسبب كثرتهن هناك إعفاؤهن من الأداء على الدخول بخلاف الرجال فكل من دخل دفع خمس فرنكات مع حضور آلات الطرب وكثرة المشروبات والحلويات في مقاعد ذلك البستان المنشأ سنة ١٦٧٠. ومنها «إبلاس لاكنكورد» المتصلة بغيضة الشانزي لزي السابقة الذكر وبوسطها حوضان كبيران وفوارات محيطها فوانيس ، وبين الحوضين العمود المسمى بالمسلة الذي جلب من مصر وعليه كتابة بلسان المصريين القديم وحروفهم التي هي أشكال حيوانات ، ونصب هناك سنة ١٨٣٠ وطوله إثنان وسبعون قدما في قطعة واحدة من حجر دون القاعدة المنفصلة التي ركز عليها ، وعرضه من أسفل سبعة أقدام وكلف جلبه مصاريف عدة ملايين حتى أنشأت له سفينة خاصة ، وقد نورت هذه البطحاء بالنور الكهربائي الذي هو كنور القمر لونا ، وطول هاته