راية إلا وكشف رأسه موميا بالسلام إلى أن طاف على الجميع ، ثم رجع إلى أمام الإيوان الوسط واستقبله ووقف وكان أمير الجيش كله المكلف بذلك الموكب هو أمير جيش باريس فجاء راكضا وسلم على رئيس الجمهورية ، ثم انحاز إلى جهة الأواوين وأصدر أوامر الحركات العسكرية فإذا بالجيوش من كل حدب ينسلون وجاء الآلاي الأول وموسيقته تعزف أمامه فلما حاذت رئيس الجيش وقفت ومر الآلاى ماشيا من الجنوب إلى الشمال بجميع لوازمه وسلاحه إلى أن انقضى فجاء غيره ووقفت موسيقته وهكذا إلى أن مرت خمسة وأربعون ألفا من العساكر المشاة ، ثم أقبلت الخيالة المدرعون سربا سربا يمشون خببا وكل سرب متقارب لون الخيل إلى أن مرت خمسة آلاف خيالة ، ثم أقبلت الطبجية أي عساكر المدافع بمدافعهم تجرها الخيول ذاهبين خببا إلى أن مرت مائة مدفع وثمانية مدافع ، وكل فرقة من الجيش يقدمها رئيسها راكبا ويقف بين يدي الرئيس إلى أن تمر فرقته فيتبعها ومهما مرت راية كبيرة أومأت بالسلام للرئيس وكشف هو لها رأسه ، ومنذ سلم هو عند دخوله الموكب إلى أن انفض الموكب كانت المدافع تطلق من الحصون ، وعندما مرت العساكر الأهلية أبناء باريس ضج الموكب بالتصفيق والتحيات استحسانا لسنحتهم ونشاطهم حتى صارت كأصوات الرعد ووقع لغيرهم قليل من ذلك النوع ، وكان اليوم حارا والرئيس مستقبل الشمس بلا مظلة وقد سقط عسكري من حر الشمس ففي الحال حمل في نعش مصابي العساكر وعالجه الطبيب وأرسل إليه الرئيس مرارا متفقدا ، وعند خروج الناس للرجوع احتبكت الطرق واشتبهت الكراريس على أصحابها وكان يوما مشهودا.
واشتباه الكراريس إنما كان مستغربا لأنه من عاداتهم في هاته المواكب إذا حضرت كروسة يتلقاها أحد صغار المكلفين ولما ينزل الراكب يعطيه بطاقة بها عدد خاص ومثلها السائق الكروسة ويوقف كروسته في مكان رحيب على ترتيب الأسبق فالأسبق ، فإذا خرج الراكب أعلم أحد أولئك المكلفين بنمرته فيرفع صوته بها فتأتي العجلة بمجرد سماع سائقها بعدد نمرته من غير أدنى اختلاط ولا تعب ، لكن في ذلك اليوم حيث خرجت الناس دفعة مع كثرتهم ومع ازدحام الناس خارجا وقع الإختلاط وعدم التمييز لكبر الموكب.
ومثل ذلك احتفال يوم السباق ، فإنه لما انتظم الموكب على نحو السابق تهيأت خيل السباق ، وكان الجعل من الدولة للمجلى مائة ألف فرنك ، وللمصلى عشرة آلاف ، ثم ألفان. ثم علق في عمود أسماء الخيول المندفعة أولا وكانت ستة عشر فرسا من عتاق الخيل الجياد العربية وكل منها مسرج بسرج صغير جدا ، وركابها متساوون في الوزن حتى إذا كان أحدهم أخف حمل شيئا يستوي به مع أصحابه ، وكل منهم لابس لباسا لاصقا بالبدن وعليه نحو جبة قصيرة ضيقة من الحرير بأحد الألوان لكل لون خاص وكل منها يمسكه رجل ، ثم يتصافون سواء من مبدأ الميدان فيضرب جرس إذنا بالركض فاندفعوا راكضين وكان الميدان على هيئة دائرة واسعة تتصل بأخرى أوسع منها ثم أخرى أوسع ،