ولكل فرقة من الخيل حد فأعلاها ما يقطع الدوائر الثلاث ومجموع طولها نحو تسعة أميال وأدناها ما يقطع الأولى فقط ، فالسرب الأول : كان من المتوسط وحاز القصبة حصان أحمر وعلق إسمه وإسم صاحبه ثم فرقة أخرى وهكذا ، ولما خرجت الفرقة العليا تهيأت الناس وكثر اللغط في المخاطرة كل يدعي أن الفرس الفلاني يغلب ، وكثيرا ما تربح عشرات الملايين في مثل ذلك السباق بالمخاطرة بين المتفرجين ، ثم انسحبت الخيل راكضة وكانت ستة فقط وكانوا أولا يحتالون على أيهم يجوز الخط الداخلي من الدائرة ولا يطلقون عنان الخيل ، وعندما توسطوا الدائرة النهائية أرسلوا الخيل على غايتها فتخلف من تخلف ولم يبق إلا ثلاث ، وعندما بقي الربع من الدائرة تخلف الثالث وتجارى إثنان فكن كل منهما تارة يكون مصليا وتارة مجليا ، لكن لما قربت قصبة السبق فاز الأحمر الكميت وصار ينط نطا لما راعه من شدة سياط راكبه ، وكنت تخيلت سبقه من أول الأمر لما تفرست فيه من حدة نفسه وتقارب وسرعة حركاته ، مع أن الكل مستوون في صفات الجودة غير أن هذا أحد وأخف ، وقد أعطى صاحبه للراكب عشرة آلاف فرنك من الجائزة لأن عادتهم أن يكون لمضمار السباق فرسان خاصون أو سائس الفرس ، أما صاحبها فلا يسابق بنفسه إلا ما ندر مع أمثاله وليس ذلك لزهدهم في الفروسية بل أنفة لأنهم كثير والركوب للخيل نساء ورجالا ، ويصرفون على تربيتها وتوليدها أموالا جسيمة حتى يباع الفرس الواحد بأربعين ألفا وأزيد ويكتبون أنسابها مسلسلة وأصلها من العراب ، وذكر لي : أن جد أقدم نسل من خيل «إنكلاتيره» هو حصان تونسي اشتري من حمال ، ثم إعلم أن المعرض الذي نحن بصدد ذكره موقعة في الجهة الغربية الشمالية من باريس يقسمه نهر السين إلى شطرين فما كان عن يمين انحدار السين يسمى «التوكادرو» وبني به قصر على شكل بديع وبناء متقن ليبقى هناك مستمرا وهو المشار إليه أوّلا ، وأمامه رواق وقدامه بركة ماء واسعة جدا على جهاتها صورة أسد وثور وفرس وخنزير ، كل صورة ضخمة جدا كلها مذهبة والماء متدفق بهيئة عجيبة ويحيط بالجميع حديقة أنيقة وحول هذا المكان بناآت لصورة بناآت الممالك التي أجابت الدعوة.
فمنها : دار أرسلها سلطان المغرب كلها من خشب على هيئة ديار فاس وبها النقش حديدة وغيرها مما هو عادة لهم وكذلك فرشها.
ومنها : قصر ظريف لشاه إيران على نحو قصره ببلاده ، ومن عجيب ما به سقف بيت كله من البلور المضلع على هيئة عناقيد وهكذا كل مملكة أجابت الدعوى تبني مكانا على هيئة أبنيتها في بلادها ، وحول تلك الأبنية مخادع ومقاعد وحوانيت وقتية في تلك الحدائق.
والشطر الثاني من المعرض يسمى «شان دي مارس» وفيه حدائق أيضا وقهاوي ومطاعم ، وفيه المحل المهم المقصود من المعرض وهو بناء عظيم واسع طوله نحو ميلين في ذلك العرض كله بناء من قضبان حديد ومقسم على أقسام على حسب الممالك ، كل