مملكة تأتي بأنموذج ما عندها من الجمادات والنباتات والحيوانات والمصنوعات قل أو جل حقر أو عظم ، فكان ذلك المحل حاويا لجميع أنواع ما يعلم في الدنيا لأنه أجابت دعوة فرنسا إلى ذلك جميع الممالك ذات الشأن إلا الدولة العلية لاشتغالها بحرب الروسيا إذ ذاك ، فالتعرض حينئذ لما فيه عبث إذ يعجز عنه الواصف وإنما أذكر أفرادا من المستغربات التي لم تزل عالقة بذهني.
فمنها : ساعة ذات أربعة أوجه مرفوعة على نحو أسطوانة ارتفاعها أزيد من ستة أذرع ورقاصها صورة كورة أرضية معلقة في القبة التي فوق الساعة ، ويحيط بالكورة صورة الشمس والقمر وبقية الكواكب السيارة والغرابة من جهة كون الساعة ليس لها آلة تعمر بها سوى تلك الكورة ، وذلك بأن اعتبر ثقلها وبعدها عن مركز تعليقها ومنعت من الإستقرار بمركزها باعتراض قائم في رأس الساعة متصل بآلاتها سهل الدوران فكانت الكورة تطلب المركز وتدفع العارض بثقلها وهو يدور وهي تدور معه وهكذا ، وهي من مصنوعات الفرنسيس وقيل إن ثمنها ستون ألف فرنك.
ومنها : مقعد من البلور الرفيع ذو ثلاث درج وإثني عشر ضلعا مرفوعة قبته على أسطوانات من البلور يجلس به إثنا عشر إنسانا كله قطعة واحدة من البلور المضلع وهو من صناعة النمسا.
ومنها : مطبعة تطبع بلونين في آلة واحدة وتخرج عددا وافرا في كل دقيقة.
ومنها : إرسال الرسائل المكتوبة في قنوات من حديد مفرغة من الهواء فتصل بسرعة كالسلك الكهربائي وقد صار الآن في عدة جهات من باريس إرسال الرسائل بتلك الصورة.
ومنها : المجوهرات والتحف الغريبة التي أهداها ملوك الهند إلى ولي عهد إنكلاتيرة وهي كثيرة عجيبة جدا ، ومن أغربها معولان من العاج في طول الذراع ورأساهما على صورة رأس أسد وعيناه ياقوتتان حمراوان لم أر أجمل وأضوأ وأخلص منهما إلى غير ذلك مما يقصر عنه وصف الواصف من بدائع الصنائع والمخلوقات.
وأما بقية أماكن وبناءات باريس الشهيرة فهي كثيرة جدا ومن أهمها : «ليزان فاليد» وهو محل العاجزين من العساكر وبه آثار الأسلحة القديمة منذ عرف السلاح في الدنيا إلى الآن وبه قبر نابليون الأول والرايات التي غنمها وعلى قبره هيكل وتابوت فوقه نيشانه وسيفه ، أدخلوني إليه وأروني جميع جزئيات غرائبه تكرمة منهم وحوله قشلة كبيرة للعاجزين من العساكر بالسن أو الحروب الذين يريدون الإقامة هناك ، فزيادة على القيام بجميع ضرورياتهم لهم خدمة وكل من لا يقدر على المشي تجعل له عجلة صغيرة يحركها بنفسه إن قدر وإلا جرها خادم للتروح في المنزه الذي حول ذلك المكان ، والمدير لهذا المحل رجل من رتبته أمير آلاي ذو أخلاق حسنة معارف جيدة.
أما ملاهي باريس فهي كثيرة ومختلفة المقاصد إذ لا يقصدون بالملاهي مجرد التلهي