بل ظاهرها التلهي وباطنها فائدة من الفوائد كالإعلام بتاريخ غريب لتجتنى محاسنه وتجتنب قبائحه ، لأن الرائي يشاهد النتايج عيانا فتكون أوقع في النفس وكالإفادة بفائدة علمية مثلما يحصل في أحد الملاهي من ذكر كورية الأرض ، وأن من يقطعها ذاهبا إلى جهة الغرب في نيف وثمانين يوما ، فإذا وصل إلى المكان الذي خرج منه يجد أنه نقص له يوم من أيام الأسبوع ، مثلا يرى أنه وصل في يوم الأحد والحال أن اليوم عند أهالي ذلك المكان هو يوم الإثنين وبعكس ذلك من يقطعها ذاهبا إلى الشرق ، فإنه يزداد عنده يوم فيرى أنه وصل يوم الثلاثاء والحال أن اليوم عند الأهالي هو يوم الإثنين ، وذلك لأن السائر إلى جهة الغرب يكون ذاهبا مع الشمس ، فاليوم بليلته عنده أزيد من أربع وعشرين ساعة فيجتمع في تلك الأيام يوم كامل يضيع على المسافر ويزيد عند مقابله مثله ، لأن اليوم بليلته عنده أقل من أربع وعشرين ساعة لذهابه ضد سير الشمس ، وقد نص القرافي (١) على هاته المسألة ، وما هو الحكم الشرعي فيها ما إذا صادف اليوم المختلف فيه يوم الجمعة ، فإن المقيم يعده يوم الجمعة والمسافر إلى الغرب يعده الخميس والمسافر إلى الشرق يعده السبت ، وغير ذلك من أحكام العبادات والمعاملات الموقتة وأن الحكم هو الإعتبار بما عند أهل المكان ، فأولئك اللاعبون يصورون هاته المسألة العلمية بتشخيصها وصورة السفر برا وبحرا وما يعترض من العوائق وثمرة الحال للتوصل به إلى الأغراض إلى غير ذلك.
وهناك ملاهي لإفادة البراعة والبلاغة في الكلام ، وأخر لإفادة علم الموسيقى إلى غير ذلك من الفوائد ولو السياسية ، فقد كانوا مدة رياسة الماريشال «مكماهون» على الجمهورية طلب مجلس الأمة أن تعزل ولاة البلدان ورؤساء العساكر الذين هم من حزب الملكية فامتنعت الوزراء من قبول ذلك ، وحل الرئيس المجلس وأذن بانتخاب أعضاء آخرين ولما انتظم المجلس الجديد أصر على مطلب سلفه فأراد الرئيس حله أيضا فامتنعوا من ذلك إذ لا حق له إلا في حله مرة واحدة في نازلة متحدة ، وحصل نزاع كاد يفضي إلى شغب فكان أحد الملاهي لاعبا وإذا بأحد اللاعبين يقول ما ترجمته نظما :
الماريشال مكمهون يخضع |
|
وإن أبى من الخضوع يخلع |
كذا الولاة من صياصي تدفع |
|
لأن ذاك للبلاد أنجع |
فدخل الحرس وفتشوا على القائل فلم يقر لهم أحد ولا وجدوا الكلام في كتاب الحكاية ، وآل أمر النزاع إلى استعفاء الماريشال. واعلم أن تلك الملاهي يوجد منها ما هو مضيعة ومشغلة لكنه قليل ، والحاصل أن ملاهيهم لا تخلو عن فائدة معتبرة ومع ذلك فهم غافلون عما فيها من مفسدة مهمة ، وهي تعليم الشبان والشابات أوجه العشق ومبانيه
__________________
(١) هو أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن أبو العباس شهاب الدين الصنهاجي القرافي. من علماء المالكية نسبته إلى قبيلة صنهاجة وإلى القرافة بالقاهرة توفي في مصر سنة (٦٨٤ ه). الأعلام ١ / ٩٤ شجرة النور الزكية ١ / ١٨٨ معجم المطبوعات (١٥٠١) وفي الديباج المذهب (٦٢) وفي الفهرس التمهيدي (٢٢٦).