ووسائله إذ قل أن يخلو تشخيص عن مثله ويعتذرون عن ذلك بأنه يعلم أيضا شناعة ثمرات العشق وشناعة الفضيحة وإيثار الموت على حفظ العرض مما يكون خاتمة تلك التشخيصات وكان ذلك لا يفيد ، إذ البواعث النفسانية غالبة على عقول الكثير من الناس فتأخذ ما يلائمها وتغفل عما سواه ، ويؤيد هذا : أن الكثير ممن يحضر تلك الملاهي إنما يجعلها وسيلة للتمكن من إمعان بصره في اللاعبات والمتفرجات التائهات بدلالهن وجمالهن ولباسهن ، وترى كلا من الحاضرين بيده مرآة مقربة وهو لا شغل له إلا أشخاص من واحدة إلى أخرى ، ثم يلتمسون الوسائل إلى الخلطة بمن يعلقون بها بل وكذلك تفعل الأبكار والشابات مع الرجال إلا العفيفات ، وأعظم هاته الملاهي «هو كران لوبره» الذي تقدم ذكره ، وكان دخله من اكتوبر سنة ١٨٧٩ إلى نهاية يناير سنة ١٨٨١ الذي هو عام وأربعة أشهر ٠٠٠ ، ٧١٥ ، ٤ فرنك ، ومصروفه في تلك المدة ٥٠٠ ، ٧٤٩ ، ٤ فكانت الخسارة أربعة وثلاثين ألفا وخمسمائة فرنك زيادة على ما تعطيه الدولة إعانة له ، لأنها تعين من دخلها في كل سنة إعانة للملاهي مبالغ وافرة فكان معين للملهى المذكور ، وملهى «أوبيره كوميك» وملهى «تياتر فرنسيز» وملهى «لوديون» في سنة ١٨٨١ ٠٠٠ ، ٣٢٤ ، ١ فرنك عدا بقية الملاهي للفوائد التي مر ذكرها ، وكراء البيت الواحد في هذا الملهى سنة ١٢٩٥ ه مائة وعشرون فرنكا في الليلة الواحدة ، وبه بيت لرئيس الدولة يحتوي على مرافق وقد أذن لي بالدخول إليه تكرمة من رئيس الجمهورية إذ ذاك الماريشال «مكماهون» ، ومن أهم الملاهي «البدروم» الذي يلعب فيه بالخيول ألعابا عجيبة ، وكذلك ملهى السرك فترى الخيل تدرك مثل الإنسان الحاذق وكذلك غيرها من الحيوانات ولو السبعية ، فإن الأسود والفيلة وغيرها لها ملاهي خاصة وتطيع أمرها كالآدمي ، حتى رأيت الشاة تسطو على الأسد وتركب على ظهره وتدخل رأسها كله في فمه وهو منقاد خاضع ، وحوله في الحجرة التي هو بها أربعة أسود أخر وأربعة نمورة ومثلها ضباع ثم ذئاب ثم أربعة من الدب كلها وقوف حول حيطان الحجرة كأصحاب موكب محتبك ، وذلك الأسد الكبير في وسط الحجرة والنعجة تلاعبه وتركب عليه وصاحبها واقف معها لكي لا يسطو واحد على آخر ، وتلك النعجة لا تخشى بأس جميع تلك السباع بل كأنهم هم الخائفون منها ، غير أني شاهدت هاته السباع في تلك الحالة والضبع واقف يرتعد من الأسود وبوله جار على رجليه ومع ذلك لا يخل بأمر صاحبه ومثله الدب ، فإن صاحبه إذا أمره بالقرب من الأسد الكبير تراه يرتعد ويصيح ولكنه يفعل ما أمر به ، وكذلك ذلك الأسد يكفهر ويكره قرب الدب منه ولكنه لا يضره بشيء فالنفرة بين النوعين شديدة بخلاف الأسد مع النمر ، فالتآلف بينهما قريب.
ومن غريب ما شاهدته هناك ثعبان في غلظ شبرين وطوله نحو خمسة عشر ميترو يحمله عدة رجال ويمسه كل أحد ولا يضر شيئا وهو من النوع الذي ذكرناه بجبال الودارنة بقطر تونس وقلنا إنه بين الأهالي مثل القط الأهلي ، كما لهم ملاهي للشعوذة يعملون بها أعمالا غريبة.