يخشى المشتري من الغرر لأن السلع هناك أرخص ما يمكن أن توجد ، لأن صاحب المخزن يأخذها من المعامل ويزيد عليها نصفا في العشرة ربحا ، وكل من دخل المخزن الذي هو حقيق بإسم قصر فله أن يدخل إلى إيوان الجلوس ويقرأ فيه ما يشاء من الصحف ويكتب ما يريد ويشرب شيئا من المشروبات كل هذا مجانا ، ولصاحب المخزن دفاتر عديدة مقيد بها أسماء السلع بأعداد مع أسعارها يعطيها لكل من أراد ، ومن يريد بعد ذلك شيئا من السلع ولو من الأقطار البعيدة فليس عليه إلا أن يكتب للإدارة جريدة بها أسماء ما يريد بأعداده فيأتيه مطلوبه مع البريد ويدفع إذ ذاك الثمن ويأخذ المطلوب ، أما إذا تعرّف بتجار وجعل معهم حسابا متصلا فإن دفع الثمن يكون حسب الإتفاق ومثل هذا المخزن مخزن «بومرشي» وهناك مخازن أخر عديدة ولكنها دون هذين ، ومن غرائب ما رأيته بباريس القبة الهوائية الكبرى التي تسمى بالبالون وقد سماها علامة اللغة أحمد فارس (١) بالمنطاد ، فقد صنعوا واحدة كبيرة جدا ونصبوها في بطحاء «التولري» وربطوها بحبل من التل تجذبه آلة بخارية وعلقوا بها مركبة تسع أربعة وعشرين نسمة ، وكل من ركب يدفع أجرة الركوب عشرين فرنكا ثم يطلقونها تصعد إلى ارتفاع ثلاثمائة ميترو فيرى الصاعد جميع باريس وما حولها كله تحته ، وكان أول اختراع هاته القبة سنة ١٧٨٣ في فرنسا وهي قبة متخذة من منسوج الحرير مدهون بنوع صمغي كالمسمى «بالفرنيز» ، تملأ بالبخار الغازي الذي هو أخف من الهواء العادي بأربعة وعشرين ضعفا فتصعد ضرورة فوق الهواء لأنها أخف منه وتحمل ما يتصل بها مما لا يعادل ثقله خفة هوائها.
ومن محاسن باريس الماء المجلوب إليها من عيون غزيرة وجعلت له خزنة هائلة تقصد للتفرج عليها زيادة على الماء الذي يرفع من النهر بآلات بخارية ، فالأوّل للشرب ، والثاني : للإستعمال. ومن أماكن التفرج الدهاليز الكبيرة التي تحت الأرض ويقال إنها كانت لقطع الحجارة ثم جعلت مقبرة لعظام الموتى مرصفة مرتبة ، وكذلك الخناديق الوسيعة التي تجري فيها الفضلات والمياه فإنها تسير فيها آلات بخارية نحو الرتل لتنظيفها وتقصد بالتفرج ، ومن صفات باريس أن أغلب دورها يصله الماء في قنوات صغيرة كل دار على قدر استحقاقها وكذلك كل دار لها قنوات للبخار الغازي للتنوير ليلا ، ولبعض الديار ساعات تحركها قوة الكهربا في مكان متحد في البلد بحيث تكون جميع الساعات متساوية الوقت على التحرير الصحيح في المرصد من غير مشقة لأصحاب الديار ، ولبعض الديار أيضا قنوات لإتيان الحرارة لتسخين الديار على حسب إرادة صاحبها وما يقسمه على بيوتها من غير كلفة لإيقاد النار ولا خوف من إحراقها ، لأن الحرارة الآتية هي حرارة هوائية وليس لصاحب الدار إلا دفع ثمن هاتيك المرافق شهريا أو سنويا ، غير أن عمل التسخين
__________________
(١) هو أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي أبو الحسين (٣٢٩ ـ ٣٩٥ ه) من أئمة اللغة والأدب. توفي في الريّ. الأعلام ١ / ١٩٣ وفيات الأعيان ١ / ٣٥ دائرة المعارف الإسلامية ١ / ٢٤٧ يتيمة الدهر ٣ / ٢١٤.