مجانا إلى أن يبلغ أشده وهم كثيرون بسبب كثرة الزنى والزانيات المتجاوز عددهم عشرات الآلاف منهن من هن في ديار مخصوصة لذلك جهرة ولهن أطباء من قبل الحكومة لكي يمنعون المريضة بالأمراض المعدية ويدخلونها للمستشفى ، ومنهن من هن في ديارهن أو في الملاهي أو خادمات إلى غير ذلك. ومن أماكن المرحمة الدار الرحيبة المتخذة للفقراء الذين لا يجدون مأوى وهم قادرون على التكسب ، فإن هاته الدار تأويهم ليلا وتطعمهم ما يسد الرمق وتعطيهم فراشا بشرط أن يغسلوا أرجلهم قبل دخوله ولا تقبلهم إلا في الساعة الثانية بعد الظهر ، وفي السهر يسرد عليهم قارىء كتابا في تهذيب الأخلاق والحث على العمل ولا يقبل الواحد أزيد من ثلاثة أيام ، ومع كثرة المراحم فكثيرا ما يموت الناس في الطرق جوعا أو بردا سيما في سوق الخضر لأن من لا يجد مأوى يتقي به من الزمهرير فيجمد بردا.
وأما طرق المواصلة والإنتقال من محل إلى آخر في وسط البلد فلهم وسائل كثيرة : كالبواخر : في نهر السين تقف على الشطوط يمينا وشمالا من طرف البلد إلى طرفها الآخر ، والركوب في هاته البواخر إذا لم تكن مزدحمة بالخلائق فيه نزهة جميلة سيما خارج البلد أيام الربيع والصيف ، ومنها ما يمر على القرى المجاورة للبلد ، ومن الوسائل التريموي : وتجره الخيل في أغلب الأماكن وفي الطرق القليلة المرور تجره مزجية بالبخار ، ومنها الأمنيبوس : وهو مثل سابقه غير أن طريقه ليس حديديا ، ومنها الرتل يحيط بالبلد مارا حذو السور لكنه تارة يجري في نفق تحت البلد ، ومنها الكراريس : ولها ترتيب منضبط في باريس أزيد عن غيرها لأن التسعير المرسوم لا يزاد عليه ولا ينقص بخلاف غيرها من البلدان ، ومع ذلك فإن سائقي العجلات أظن أنهم في كل بلد هم أسوأ أهلها أخلاقا إلا ما ندر ، وفي عام المعرض أكدت عليهم الحكومة التأكيد الزائد وشددت في الحكم على من يتعدى منهم الحدود ، ومع ذلك كانوا كثيرا ما يسيئون السيرة. ومن الوسائل أيضا الركوب على الخيل لكنه خاص بأصحابها وأما المكثرون فهم أقل استعمالا لها من الكراريس وسائر العجلات. وبالجملة فإن في باريس مائة ألف عجلة ومائة وثمانين ألفا من الخيل وهذا كاف في بيان مقدار الحركة.
وأما رواج التجارة والسلع فلنكتف بذكر شيء منها وهو «قصر البورس» الذي تروج فيه كل يوم تجارة تجاوز آلاف ملايين ، وفي أحوال السلع نقتصر على ذكر مخزن اللوفر الذي هو قصر قدر حارة كبيرة ذو أربع طبقات فيه ستمائة مستخدم وفيه من السلع كل ما يحتاجه الإنسان من الملبوس وأثاث المنزل والفرش بل وحتى الكراريس والخيل التي تجرها ، وإذا دخل إليه المشتري تتلقفه الخدمة بالبشاشة واللين ويطلعونه على كل ما يريد فيختار ما شاء ويذكر لهم إسم محله ويذهب ، وهم يأتون بما اختاره مع صحيفة مبين بها الأثمان ممضاة بالخلاص فإذا وجد شيئا غير الذي اختاره أو سعرا غير الذي سمع به ردما لا يعجبه وأخذ الباقي ، وأخذ صك الخلاص بعد دفع الثمن من غير مماكسة في السعر ولا