وثالثتها : بحيرة «آن قان» قرب باريس.
وأما هواؤها فالجهة الشمالية منها باردة والجهة الجنوبية معتدلة وينزل الثلج فيها جميعا شتاء ومع ذلك فهواؤها سليم لائق بالصحة ولا يقع فيها الضباب إلا بقلة وهو متعب جدا ، فقد صادفته في سنة ١٢٩٢ ه وذلك أني ذهبت زائرا أحد معارفي قرب الغروب نحو الساعة الرابعة بعد الزوال فخرجت في الساعة السادسة بعد مضي الغروب بنحو الساعتين ، فوجدت الطرقات في غاية الظلمة ولم أدر إلى أي جهة الطريق فتعجبت من ذلك وسألت صاحب الباب ما بالهم لم ينوروا الطرقات تلك الليلة؟ فقال : كلا ، ولكن الضباب منع نور الفوانيس من الظهور مع ما عليه باريس من كثرة التنوير ، فأرسلت ليؤتى لي بكروسة فلم يدر المرسل الطريق واضطررت إلى تتبع اللمس للحائط مع التحذر من المصادمة وكنا نعلم قرب موقف الكراريس فذهبنا إلى جهتها ولم نر نور فوانيسها إلا عند الوصول إليها ، فلما أردنا ركوب أحديها امتنع صاحبها وكثر اللغط بينه وبين التابع فجاء أحد الضابطية وألزمه بإركابنا وإيصالنا إلى منزلنا ، فأجابه بأنه غير ممتنع لكن الخيل لا تمشي لأنها لا ترى ، فقال : إركبوا إلى أن نعمل وجها ، فلم يكن غير بعيد حتى ظهرت المشاعل على وجه الأرض بيد الضابطية وغيرهم ، مشاعل من حبال غليظة تحرق وتدار باليد في الهواء على وجه الأرض على نحو ما تفعله البوادي ، فأخذ السائق الكروسة رجلا منهم ومكنه من أحد تلك المشاعل وجعل هو يسوق الخيل وراءه إلى أن أوصلنا وأعطينا للرجل إحسانه ، وكنا نسمع صهيل الخيل بكثرة في تلك الليلة مع قلة صهيلها هناك على كثرتها ، وكذلك كثر نباح الكلاب وزاد حسها وضوحا هذا وحس العجلات ، ولما وصلنا إلى البلغار على كثرة تنوير حوانيته وقهاويه لم يظهر منها شيء إلا إذا لصق الإنسان بالفانوس فإنه يرى نوره مقصورا عليه ، وقد ذكرت تلك الليلة صحف الأخبار وشيدت بشأنها وأن مثلها كثير بإنكلترا ليلا ونهارا ، أما البرد فهم مستعدّون له لبسا ومسكنا ولهم عملة لإزالة الثلج من الطرقات وشدّة ذلك البرد مع طول مدّته أهون من شدة الحرّ في الصيف الذي لا تطول مدّته ، لأنه يكاد أن يكون الهواء منقطعا من شدة سكونه وحره.
وأما نباتات فرنسا : فينبت بها جميع نباتات أراضي الإعتدال والأراضي الباردة بالنظر لجنوبها وشمالها ، وعلى الإجمال فالجهة الشمالية منها أجمل منظرا لأن في الجنوب جبالا صخرية وأحراشا غير صالحة للزراعة ، وأهم نباتاتها العنب سيما جهة بلد بردو وشمبانيا لكن في هاته السنين الأخيرة أصيب بمرض أوجب خسائر بليغة ، وفيها من الكمثري أنواع فاخرة لذيذة سيما في الشتاء وبطيخها وخوخها حسن لكنهم لا يأكلون البطيخ الأخضر المعروف بالدلاع أو الحجب وعندهم أكله معرة ، وبقية فواكهها وأشجارها حسنة وفيها آجام وغابات لأخشاب السفن وغيرها كثيرة جدا.
وأما حيواناتها : ففيها جميع الحيوانات الأنسية والنعم وخيلها على ثلاثة أنواع :