ولما استتب أمر الجمعية تجاوزت حدود الإعتدال بمضادة الأديان وقتل رؤساء الكنائس وإبدال أغلب العادات حتى الأيام والشهور ، فجعلوا الاسبوع عشرة أيام ومبدأ التاريخ هو عام انتصاب الجمهورية ، وكذلك أشهروا الحرب على جميع الدول وانتصر الفرنساويون سيما تحت راية نابليون الأوّل بونابارتي الذي كان أحد أبناء العامة فتعلم الفنون العسكرية وساعده القدر بالإنتصار الذي نال به أعظم الشهرة فكان من أعظم رؤساء العساكر ، ثم عوضوا تلك الحكومة بحكومة «الدركتوار» أي الحكومات المديرية مؤلفة من خمسة أشخاص ، وحدثت في أيامها الحروب العظيمة مع سائر الدول ووافق نابليون البخت فانتصر على الجميع وملك إيطاليا ورتب فيها حكومات عديدة جمهورية ، ثم استولى على مصر وأراد الشام بقصد التوصل إلى الإستيلاء على الهند انتقاما مع الإنكليز ثم عاضدت إنكلاتيره الدولة العثمانية واسترجعوا مصر وما أخذ من الشام ، وهيجت إنكلتره دول أوروبا على الإتحاد على فرنسا فاستعدوا لحربها وحاربوها وكانت الحرب سجالا ، لكن نابليون الأول لما وصل إلى باريس بعد أن كاد أن يكون أسيرا في رجوعه من مصر وجد حكومة الدركتوار على شفا وأوروبا منتصرة في أغلب الجهات ، فاستعان بحزبه ورتب حكومة جديدة تسمى بحكومة القنسلات مؤلفة من ثلاثة أشخاص يسمون قناسل وتبوأ هو رياستها وذلك سنة ١٢١٤ ه ١٧٩٩ م. ثم تسمى قنسلا لمد حياته وتسلم رياسة الجيش ورجع الإنتصار المفقود والتفت عند ذلك إلى لم شعث الداخلية وإصلاح الأمور فسماه مجلس الأعيان إمبراطور سنة ١٢١٩ ه ١٨٠٤ م ونال صيتا عظيما في الدنيا بانتصاراته على أغلب أوروبا ، فدخل فيينا وبرلين وعقد الصلح مع دولتيهما كيف شاء وأمست إيطاليا وكثير من جرمانيا تابعة لفرنسا ، وانتصر على الروسيا أيضا وعقد معها صلحا ومعاهدة سرية من شروطها اقتسام جميع أوروبا بين فرنسا والروسيا عدا الممالك العثمانية وإن بلغها أنها أيضا في القسمة حتى اغتاظ السلطان لذلك كما سيأتي في محله.
ومن المستثنى من القسمة أيضا الممالك الإنكليزية وكان ذلك سنة ١٢٢١ ه ١٨٠٦ م وأتم تأليف قانون الأحكام الشهير المعروف بكود نابليون سنة ١٢٢٣ ه ١٨٠٨ م وهو عمدة أحكامهم ونسجت أوروبا فيما بعد على منواله ، وهو كتاب مقسم على أبواب المعاملات والجنايات وكل مسألة من الباب يعقد لها فصل يبين حكمها بعبارات بينة من غير بيان لدليل الحكم ولا لمحل استخراجه لسهولة التناول ، وكان عين لتأليفه جمعية علمية عولت في تنظيمه على ما يليق بالعادات من أحكام الشرع الإسلامي وأحكام الرومان ، وسنة ١٢٢٨ ه ١٨١٢ م عاد لحرب الروسيا لنكثها شروط الصلح المار ذكرها وانتصر عليها ، إلى أن وصل قاعدتها مدينة موسكو وقد أعدوا له كيدا بإحراق المدينة فلما وصلها وجدها قاعا صفصفا ، وكان الوقت شديد البرد فهلك عسكره بردا وجوعا وعاد هو متنكرا إلى فرنسا ، وجهز نفسه لحرب الروسيا وألمانيا وبروسيا والنمسا الذين اتحدوا عليه بسبب إنكساره فغلب أخيرا ودخلت العساكر المتحدة إلى باريس ، وملكوا