فاليد» لكنه فيه آخر أمره فقدت فرنسا ما نالته في الداخل والخارج بأسباب التعدي على الرعايا وضعفهم ، وبعده فقدت فرنسا المستعمرات الهندية وغيرها وإن حازت كرسكا واللورين ، وكان ذلك باتباع لويس الخامس عشر (١) لشهواته وتحكم النساء فيه وإلغائه للشورى مع مجلس نواب الأمة ، وآخر الملوك من تلك العائلة هو لويس السادس عشر (٢) الذي انتقم من إنكلاتيره بإعانة أمريكا على استقلالها ، وحدثت في أيامه الثورة العامة التي قلبت حال التاريخ حيث كان يرجى منه إصلاح ما أفسده أبوه وجدّه ، لكنه كان ضعيفا عن الوفاء بذلك فهو خاتمة التاريخ القديم.
مطلب في تاريخ فرنسا الجديد
اعلم أن الفرنساويين لما انتشرت فيهم المعارف وعلموا ما لهم وما عليهم ونالوا من بعض ملوكهم أحيانا أنصافهم ، واشتهرت بينهم الصحف الخبرية المعلنة بالمحامد والمذام وحدث فيهم أخيرا ما أشير إليه من الظلم ، انعقدت فيهم جمعيات سرية للتدبير والعمل فيما يمكن لهم به حفظ حقوقهم ومملكتهم ، وتفطن لذلك لويس السادس عشر فكان مرة يميل إلى معاضدة الأمة فيما تريده ومرة يحجم إلى عادات الأعيان والسيرة القديمة حتى خشي على نفسه وفر مع عائلته ، لكن الأهالي أرجعوه غصبا وخضدت شوكته فخاف بعض ملوك أوروبا من أن يلحقهم ما لحقه بسبب فتح أبصار رعاياهم وقد كانوا إذ ذاك مستبدين ، فتعاضدوا على إركاس الفرنساويين لا سيما إمبراطور النمسا صهر لويس المذكور فإنه تولى كبر تلك الحرب ، غير أن الفرنساويين دافعوا عن حقوقهم بجد وانضم إليهم ملكهم المذكور وأجرى الجمعية الأهلية المسماة بالجمعية الوطنية وذلك سنة ١٢٠٧ ه ١٧٩٢ م ، ثم بدا لهم منه الخيانة فقتلوه مع زوجته وطردوا إبنه إلى جدّه إمبراطور النمسا وذلك بحكم الحكومة الإجرائية التي حكمت بإلغاء الملكية وإثبات الجمهورية ، وأعلنت لسائر الأمم أنها تساعدهم على نحو عملها وتسمت الحكومة جمعية اتفاق الأمة وكان من أكبر زعمائها بولتير (٣) الذي لا دين له ، وهو أحد الذين أثاروا غيظ الأمة بما ينشره من الأقايل والكتابات.
__________________
(١) هو لويس الخامس عشر (١٧١٠ ـ ١٧٧٤) ملك بعد وفاة جده لويس الرابع عشر بوصاية فيليب دوريليان. تقرب من النمسا ليقاوم مطامع بروسيا وانكلترا ، لكن حرب السبع سنوات مع انكلترا أفقدت فرنسا كندا والهند. مات مبغضا من شعبه. المصدر السابق.
(٢) هو لويس السادس عشر ، ولد في فرساي سنة (١٧٥٤) ملك فرنسا سنة (١٧٧٤ ـ ١٧٩٢) تزوج ماري انطوانيت النمساوية واتهم بعد محاولة هربه في ٢٠ حزيران (١٧٩١) بالتعامل مع الأجنبي وبالخيانة.
قتل في ٢١ كانون الثاني (١٧٩٣). المصدر السابق.
(٣) هو فولتير فرانسوا ماري أرواي (١٦٩٤ ـ ١٧٧٨) ولد في باريس مؤلف فرنسي من نوابغ زمانه أقام في بروسيا وسويسرا ، تزعم حركة الفلسفة المادية وقاوم رجال السلطة الدينية والمدنية ونقدهم بقلمه اللاذع. كتب في الشعر والتاريخ والمسرح والمراسلة والفلسفة ومن مؤلفاته في المحاورات الفلسفية «كنديد» المصدر السابق ص (٥٣٣).