جاءت ، فلذلك سمى الجفول ، وجمع قومه ، فقال : إن هذا الرجل قد هلك ، فإن قام قائم من قريش بعد نجتمع عليه جميعا ، إن رضى منكم أن تدخلوا فى أمره ، ولم يطلب ما مضى من هذه الصدقة أبدا ، ولم تكونوا أعطيتم الناس أموالكم ، فأنتم أولى بها وأحق ، فتسارع إليه جمهور قومه وفرحوا بذلك ، فقام ابن قعنب ، وكان سيد بنى يربوع ، فقال : يا بنى تميم ، بئس ما ظننتم ، أن ترجعوا فى صدقاتكم ولا يرجع الله فى نعمه عليكم ، وأن تجردوا للبلاء ويلبسكم الله العافية ، وأن تستشعروا خوف الكفر ، وأن تسكنوا فى أمن الإسلام ، إنكم أعطيتم قليلا من كثير ، والله مذهب الكثير بالقليل ومسلط على أموالكم غدا من لا يأخذها على الرضى ولا يخيركم فى الصدقة ، وإن منعتموها قتلتم ، فأطيعوا الله واعصوا مالكا.
فقام مالك ، فقال : يا معشر بنى تميم ، إنما رددت عليكم أموالكم إكراما لكم ، وبقيا عليكم ، وإنه لا يزال يقوم قائم منكم يخطئنى فى ردها عليكم ويخطئكم فى أخذها ، فما أغنانى عما يضرنى ولا ينفعكم ، فو الله ما أنا بأحرصكم على المال ، ولا بأجزعكم من الموت ، ولا بأخفاكم شخصا إن أقمت ، ولا بأخفكم رحلة إن هربت ، فترضاه عند ذلك بنو حنظلة ، وأسندوا إليه أمرهم ، وقالوا : حربنا حربك وسلمنا سلمك ، فأخذوا أموالهم ، وأبى الله إلا أن يتم أمره فيهم ، وقال فى ذلك مالك :
وقال رجال سدد اليوم مالك |
|
وقال رجال مالك لم يسدد |
فقلت دعونى لا أبا لأبيكم |
|
فلم أخط رأيا فى المعاد ولا البد |
وقلت خذوا أموالكم غير خائف |
|
ولا ناظر فيما يجىء به غد |
فدونكموها إنها صدقاتكم |
|
مصررة أخلافها لم تحرد |
سأجعل نفسى دون ما تحذرونه |
|
وأرهنكم يوما بما قلته يدى |
فإن قام بالأمر المخوف قائم |
|
أطعنا وقلنا الدين دين محمد |
ولما بلغ ذلك أبا بكر والمسلمين حنقوا على مالك ، وعاهد الله خالد بن الوليد لئن أخذه ليقتلنه ، ثم ليجعلن هامته أثفية للقدر ، فلما أتى به أسيرا فى نفر من قومه ، أخذوا معه كما تقدم.
اختلف فيه الذين أخذوهم ، فقال بعضهم : قد والله أسلموا ، فما لنا عليهم من سبيل وفيمن شهد بذلك أبو قتادة الأنصاري ، وكان معهم فى تلك السرية ، وقالوا : إنا قد أذنا فأذنوا ، ثم أقمنا فأقاموا ، ثم صلينا فصلوا.