وكان من عهد أبى بكر إلى خالد أن : أيما دار غشيتموها فسمعتم الأذان فيها بالصلاة فأمسكوا عن أهلها حتى تسألوهم ما ذا نقموا وما ذا يبغون ، وأيما دار غشيتموها فلم تسمعوا فيها الأذان ، فشنوا عليها الغارة ، فاقتلوا وحرقوا.
وشهد بعض من كان فى تلك السرية أنهم لم يسلموا ، وأنهم لم يسمعوهم كبروا ولا أذنوا ، وأن قتلهم وسبيهم حلال ، وكان ذلك رأى خالد فيهم.
قال أبو قتادة : فجئته فقلت : أقاتل أنت هؤلاء القوم؟ قال : نعم ، قلت : والله ما يحل لك قتلهم ، ولقد اتقونا بالإسلام ، فما عليهم من سبيل ، ولا أتابعك على قتلهم ، فأمر بهم خالد فقتلوا.
قال أبو قتادة : فتسرعت حتى قدمت على أبى بكر ، فأخبرته الخبر ، وعظمت عليه الشأن ، فاشتد فى ذلك عمر ، وقال : ارجم خالدا ، فإنه قد استحل ذلك ، فقال أبو بكر:والله لا أفعل ، إن كان خالد تأول أمرا فأخطأه.
وذكر يعقوب بن محمد الزهرى والواقدى فى مقتل مالك بن نويرة روايات غير ما تقدم ، استغنى عن إيرادها بما ذكر هنا. وفى بعض ذلك أن خالدا أمر برأسه فجعل أثفية لقدر حسب ما تقدم من نذره ذلك ، وكان من أكثر الناس شعرا ، فكانت القدر على رأسه ، فراحوا وإن شعره ليدخن وما خلصت النار إلى شواة رأسه.
وعاتب أبو بكر خالدا لما قدم عليه فى قتل مالك بن نويرة مع ما شهد له به أبو قتادة وغيره ، فاعتذر إليه خالد ، وزعم أنه سمع منه كلاما استحل به قتله ، فعذره أبو بكر وقبل منه.
ورثا متمم بن نويرة (١) أخاه مالكا بقصائد كثيرة منها قصيدته المشهورة المتخيرة فى مراثى العرب التي يقول فيها (٢) :
وكنا كندمانى جذيمة حقبة |
|
من الدهر حتى قيل لن نتصدعا |
فلما تفرقنا كأنى ومالكا |
|
لطول اجتماع لم نبت ليلة معا |
ويروى أن عمر بن الخطاب رحمهالله ، قال لمتمم بن نويرة : لوددت أنى رثيت أخى زيدا بمثل ما رثيت به مالكا أخاك ، وكان زيد أصيب يوم اليمامة ، فقال له متمم : يا أبا
__________________
(١) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٢٥٤١) ، الإصابة الترجمة رقم (٧٧٣٣) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٤٦٦٦).
(٢) انظر الأبيات فى ديوانه ص (١١).