قال : وكيف قتلته؟ قال : اضطربت أنا وهو بالسيفين حتى انقطعا ، ثم أطعنا بالرمحين حتى انكسرا ، ثم اصطرعنا ، فشحطته بالسكين شحطا ، قال : يا بنية ، هذا قاتل أبيك ، فوضعت يدها على رأسها ، وصاحت : يا أبتاه.
قال : ثم خرج حتى جاء أبا بكر ، فاستأذن لنا عليه ، فدخلنا فقلنا له كما قلنا لعمر ، وناشدنا كما ناشدنا عمر ، فحلفنا له ، فقال : الحمد لله الذي جعل لنا من الإسلام ما يعزنا ويردنا إليه ، قال : أفيكم من رهط عامر بن مسلمة أحد؟ قال خالد : وما تصنع بعامر وهذا مجاعة سيد أهل اليمامة ، فكررها أبو بكر ، فقال : هل فيكم من رهط ثمامة ابن أثال أحد؟ قال خالد : وما تصنع بثمامة ، وهذا مجاعة سيد أهل اليمامة ، قال أبو بكر رضياللهعنه : إنهم أهل بيت اصطعنهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فأحب أن أصطنعهم ، فقام مطرف بن النعمان بن سلمة ، فقال : عامر بن سلمة عمى ، وثمامة بن أثال عمى ، فاستعمله أبو بكر على اليمامة.
وقال أبو بكر لخالد : سم لى أهل البلاء ، فقال : يا خليفة رسول الله ، كان البلاء للبراء بن مالك ، والناس له تبع.
ولما قدم خالد المدينة لم يبق بها دار إلا فيها باك لكثرة من قتل معه من الناس ، فبكى أبو بكر رضياللهعنه ، لما رأى ذلك ، وقال ما أبعد ما رأى من الظفر ، والله لثابت بن قيس بن شماس (١) أعز على الأنصار من أسماعها وأبصارها.
وكانت اليمامة فى ربيع الأول من سنة اثنتى عشرة (٢) ، واختلف فى عدد من استشهد فيها من المسلمين ، فأكثر ما فى ما وقع فى كتاب أبى بكر إلى خالد : أن ببابك دماء ألف ومائتين من المسلمين.
وقال سالم بن عبد الله بن عمر : قتل يوم اليمامة ستمائة من المهاجرين والأنصار ، وغير ذلك.
وقال زيد بن طلحة : قتل يوم اليمامة من قريش سبعون ، ومن الأنصار ستون ، ومن سائر الناس خمسمائة.
__________________
(١) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٢٥٣) ، الإصابة الترجمة رقم (٩٠٦) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٥٦٩).
(٢) ذكر ابن الجوزى فى المنتظم (٤ / ٨٣) : أنها كانت سنة إحدى عشرة فى قول جماعة منهم أبو معشر ، فأما ابن إسحاق فإنه قال فتح اليمامة واليمن والبحرين ، وبعث الجنود إلى الشام سنة اثنتى عشرة.