وبعث بالكتاب مع أنس بن مالك. قال أنس : أتيت اليمن فبدأت بهم حيا حيا (١) ، وقبيلة قبيلة ، أقرأ عليهم كتاب أبى بكر الصديق ، فإذا فرغت من قراءته قلت : الحمد لله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أما بعد ، فإنى رسول خليفة رسول الله إليكم ، ورسول المسلمين ، ألا وإنى قد تركتهم معسكرين ، ليس يمنعهم عن الشخوص إلى عدوهم إلا انتظاركم ، فعجلوا إلى إخوانكم بالنفر ، رحمكم الله أيها المسلمون.
قال : فكان كل من أقرأ عليه ذلك الكتاب ويسمع منى هذا القول يحسن الرد ويقول: نحن سائرون ، وكأن قد فعلنا حتى انتهيت إلى ذى الكلاع (٢) ، فلما قرأت عليه الكتاب ، وقلت له هذا المقال دعا بفرسه وسلاحه ونهض فى قومه ، وأمر بالعسكرة ، فما برحنا حتى عسكر وعسكر معه جموع كثيرة من أهل اليمن ، وسارعوا ، فلما اجتمعوا إليه قام فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على نبيه ، ثم قال :
أيها الناس ، إن من رحمة الله إياكم ونعمته عليكم أن بعث فيكم نبيا أنزل عليه الكتاب فأحسن عنه البلاغ ، فعلمكم ما يرشدكم ، ونهاكم عما يفسدكم ، حتى علمكم ما لم تكونوا تعلمون ، ورغبكم من الخير فما لم تكونوا فيه ترغبون ، وقد دعاكم إخوتكم الصالحون إلى جهاد المشركين ، واكتساب الأجر العظيم ، فلينفر من أراد النفر معى الساعة.
قال : فنفر بعدد من الناس كثير ، وأقبل بهم إلى أبى بكر رحمهالله ، فرجعنا نحن فسبقناه بأيام فوجدنا أبا بكر بالمدينة ووجدنا ذلك العسكر على حاله ، وأبو عبيدة يصلى بأهل ذلك العسكر.
فلما قدمت حمير معها أولادها ونساؤها ، فرح بهم أبو بكر وقام فقال : عباد الله ، ألم نكن نتحدث فنقول إذا مرت حمير معها نساؤها تحمل أولادها : نصر الله المسلمين وخذل المشركين؟ فأبشروا أيها المسلمون ، قد جاءكم النصر.
قال : وجاء قيس بن هبيرة بن مكشوح المرادى معه جمع كثير حتى أتى أبا بكر فسلم
__________________
(١) فى تاريخ فتوح الشام : «.... أتيت أهل اليمن جناحا جناحا ، وقبيلة قبيلة ، أقرأ عليهم ..».
(٢) ذى الكلاع : هو : «أيفع بن يزيد بن النعمان» ، وسمى بذلك لأن حمير تلكعوا ، أى اتحدوا وتحالفوا على يديه وهو الذي خطب الناس وحرضهم على القتال. انظر ترجمته فى : شذرات الذهب (١ / ٢١٤).