فقال له عمه سعد بن أبى وقاص : يا ابن أخى لا تطعنن طعنة ولا تضربن ضربة إلا وأنت تريد بها وجه الله ، واعلم أنك خارج من الدنيا وشيكا ، وراجع إلى الله قريبا ، ولن يصحبك من الدنيا إلى الآخرة إلا قدم صدق قدمته ، وعمل صالح أسلفته ، فقال : يا عم ، لا تخافن هذه منى ، إنى إذا لمن الخاسرين إن جعلت حلى وارتحالى وغدوى ورواحى وسعى وإجلابى ، وطعنى برمحى وضربى بسيفى رياء للناس.
ثم خرج من عند أبى بكر رضياللهعنه ، فلزم طريق أبى عبيدة حتى قدم عليه ، فسر المسلمون بقدومه وتباشروا به.
وبلغ سعيد بن عامر بن حذيم (١) أن أبا بكر يريد أن يبعثه ، فلما أبطأ ذلك عليه ، ومكث أياما لا يذكر له ذلك أتاه ، فقال : يا أبا بكر ، والله لقد بلغنى أنك كنت أردت أن تبعثنى فى هذا الوجه ، ثم رأيتك قد سكت ، فما أدرى ما بدا لك فىّ ، فإن كنت تريد أن تبعث غيرى فابعثنى معه ، فما أرضانى بذلك ، وإن كنت لا تريد أن تبعث أحدا فإنى راغب فى الجهاد ، فأذن لى يرحمك الله كيما ألحق بالمسلمين ، فقد ذكر لى أن الروم جمعت لهم جمعا عظيما. فقال أبو بكر : رحمك أرحم الراحمين يا سعيد بن عامر ، فإنك ما علمت من المتواضعين المتواصلين المخبتين المتهجدين بالأسحار ، الذاكرين الله كثيرا.
فقال له سعيد : رحمك الله ، نعم الله علىّ أفضل ، وله الطول والمن ، وأنت والله ما علمت صدوع بالحق ، قوام بالقسط ، رحيم بالمؤمنين ، شديد على الكافرين ، تحكم بالعدل ، ولا تستأثر فى القسم ، فقال له : حسبك يا سعيد ، حسبك ، اخرج رحمك الله ، فتجهز ، فإنى مسرح إلى المسلمين جيشا وأؤمرك عليهم ، فأمر بلالا فنادى فى الناس : أن انتدبوا أيها المسلمون مع سعيد بن عامر إلى الشام ، فانتدب معه سبعمائة رجل فى أيام ، فلما أراد سعيد الشخوص جاء بلال فقال : يا خليفة رسول الله ، إن كنت إنما أعتقتنى لله تعالى لأملك نفسى وأصرف فيما ينفعنى فخل سبيلى حتى أجاهد فى سبيل ربى ، فإن الجهاد إلىّ أحب من المقام ، قال أبو بكر : فإن الله يشهد أنى لم أعتقك إلا له ، وأنى لا أريد منك جزاء ولا شكورا ، فهذه الأرض ذات العرض ، فاسلك أى فجاجها أحببت ، فقال : كأنك أيها الصديق عتبت علىّ فى مقالتى ووجدت فى نفسك منها؟ قال : لا ، والله ما وجدت فى نفسى من ذلك ، وإنى لأحب أن لا تدع هواك لهواى ما دعاك
__________________
(١) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٩٩٣) ، الإصابة الترجمة رقم (٣٢٨٠) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٢٠٨٤) ، تجريد أسماء الصحابة (١ / ٢٢٣) ، الجرح والتعديل (٤ / ٢٠٥). حلية الأولياء (١ / ٣٦٨) ، الوافى بالوفيات (١٥ / ٣٢٠).