هواك إلى طاعة ربك ، قال : فإن شئت أقمت معك ، قال : أما إذا كان هواك الجهاد فلم أكن لآمرك بالمقام ، وإنما أردتك للأذان ، ولأجدن لفراقك وحشة يا بلال ، ولا بد من التفرق فرقة لا التقاء بعدها حتى يوم البعث ، فاعمل صالحا يا بلال ، وليكن زادك من الدنيا ما يذكرك الله به ما حييت ، ويحسن لك به الثواب إذا توفيت. فقال له بلال : جزاك الله من ولى نعمة وأخ فى الإسلام خيرا ، فو الله ما أمرك لنا بالصبر على الحق والمداومة على العمل بالطاعة ببدع ، وما كنت لأؤذن لأحد بعد النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ثم خرج بلال مع سعيد بن عامر.
وجاء سعيد على راحلته حتى وقف على أبى بكر والمسلمين ، فقال له : إنا نؤم هذا الوجه ، فجعله الله وجه بركة ، اللهم فإن قضيت لنا التقاء فاجمعنا على طاعتك ، وإن قضيت لنا الفرقة فإلى رحمتك ، والسلام عليكم ، ثم ولى يذهب. فقال أبو بكر : عباد الله ، ادعوا الله كيما يصحب صاحبكم ويسلمه ، ارفعوا أيديكم رحمكم الله ، فرفع القوم أيديهم إلى ربهم وهم أكثر من خمسين رجلا ، فقال على رضياللهعنه : ما رفع عدتكم من المسلمين أيديهم إلى ربهم يسألونه شيئا إلا استجاب لهم ، ما لم يكن معصية أو قطيعة رحم ، فبلغه ذلك بعد ما واقع أرض الشام وقاتل العدو ، فقال : رحم الله إخوانى ، ليتهم لم يكونوا دعوا لى ، قد كنت خرجت وإنى على الشهادة لحريص جاهد ، فما هو إلا أن لقيت العدو فعصمنى الله من الهزيمة والفرار ، وذهب من نفسى ما كنت أعرف من حب الشهادة ، فلما خبرت أن إخواني دعوا لى بالسلامة عرفت أنهم استجيب لهم.
وكان أبو بكر أمره أن يلحق بيزيد بن أبى سفيان ، فسار حتى لحق به ، وشهد معه وقعة العربة والداثنة.
وعن حمزة بن مالك الهمذانى أنه قدم فى جمع عظيم من همذان (١) على أبى بكر ، رحمهالله ، قال : فقدموا وهم ألفا رجل أو أكثر ، فلما رأى أبو بكر عددهم وعدتهم سره ذلك ، فقال : الحمد لله على صنيعه للمسلمين ، ما يزال الله تعالى ، يرتاج لهم بمدد من أنفسهم يشد به ظهورهم ويقصم به عدوهم ، قال : ثم إن أبا بكر أمرنا فعسكرنا بالمدينة ، وكنت أختلف إلى أبى بكر غدوة وعشية ، وعنده رجال من المهاجرين والأنصار ، فكان يلطفنى ويدنى مجلسى ، ويقول لى : تعلم القرآن ، وأسبغ الوضوء ، وأحسن الركوع والسجود ، وصل الصلاة لوقتها ، وأد الزكاة فى حينها ، وانصح المسلم ، وفارق المشرك ،
__________________
(١) همذان : بالذال المعجمة ، مدينة من عراق العجم من كور الجبل. انظر : الروض المعطار (٥٩٦) ، نزهة المشتاق (٢٠٣) ، اليعقوبى (٢٧٢).