واحضر البأس يوم البأس. فقلت : والله لأجهدن أن لا أدع شيئا مما أمرتنى به إلا عملته ، إنى لأعلم أنك قد اجتهدت لى فى النصيحة ، وأبلغت فى الموعظة ، ثم إنه خرج إلى عسكرنا وأمرنا أن نتيسر ونتجهز ونشترى حوائجنا ، ثم نعجل على أصحابنا ، فتحثحثنا لذلك وعجلنا بالجهاز ، فلما فرغنا وعلم ذلك بعث إلى فقال : يا أخا همذان ، إنك شريف بئيس ذو عشيرة ، فأحضرهم البأس ، ولا تؤذ بهم الناس.
قال : وكان معى رجال من أهل القرى من همذان ، فيهم جهل وجفاء ، وكانوا قد تأذى منهم أهل المدينة ، فشكوا ذلك إلى أبى بكر ، فقال أبو بكر : نشدتك الله امرأ مسلما سمع نشدى لما كف عن هؤلاء القوم ، ومن رأى عليه حقا فليحتمل ذرب ألسنتهم ، أو عجلة يكرهها منهم ما لم يبلغ ذلك الحد ، إن الله تعالى ، مهلك بهؤلاء وأشباههم غدا جموع هرقل والروم ، وإنما هم إخوانكم ، فلو أن أخا أحدكم فى دينه عجل عليه فى شيء ألم يكن أصوب فى الرأى وخيرا فى المعاد أن يحتمل له؟ قال المسلمون : بلى ، قال : فهم إخوانكم فى الدين وأنصاركم على الأعداء ، ولهم عليكم حق ، فاحتملوا لهم ذلك ، ثم نظر إلىّ فقال : ارتحل ، ما تنتظر؟ فارتحلت وقد قلت له قبل أن نرتحل : علىّ أمير دونك؟ قال : نعم ، هناك ثلاثة أمراء قد أمرناهم؟. فأيهم شئت فكن معه ، فلما لحقت بالمسلمين سألتهم : أى الأمراء أفضل وأيهم كان أفضل عند النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، صحبة؟ فقيل : أبو عبيدة بن الجراح ، فقلت فى نفسى : والله لا أعدل بهذا أحدا ، فجئت حتى أتيت أبا عبيدة ثم قصصت عليه قصة مخرجى ومقدمى على أبى بكر ، وما كان من أمرى وأمر أصحابى بالمدينة ، وبمقدمى عليه واختيارى له ، فقال : بارك الله لك فى إسلامك وجهادك وقدومك علينا ، وبارك لنا فيك وفيمن قدمت به علينا من المسلمين.
وقال عمرو بن محصن (١) : لم يكن أبو بكر رحمهالله ، يسأم توجيه الجنود إلى الشام ، وإمداد الأمراء الذين بعث إليها بالرجال بعد الرجال ، إرادة إعزاز أهل الإسلام وإذلال أهل الشرك.
وعن أبى سعيد المقبرى قال : لما بلغ أبا بكر رحمهالله ، جمع الأعاجم لم يكن شيء أعجب إليه من قدوم المجاهدين عليه من أرض العرب ، فكانوا كلما قدموا عليه سرح الأول فالأول ، فقدم عليه فيمن قدم أبو الأعور السلمى ، فدخل عليه فقال : إنا جئناك من غير قحمة ولا عدم ، فإن شئت أقمنا معك مرابطين ، وإن شئت وجهتنا إلى عدوك
__________________
(١) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (١٩٧٤) ، الإصابة الترجمة رقم (٥٩٧٠) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٤٠٢١) ، تجريد أسماء الصحابة (١ / ٤١٧).