وذكر سيف أن الوليد بن عقبة لما قدم على خالد بن سعيد فسانده ، وقدمت جنود المسلمين الذين كان أبو بكر أمده بهم ، وبلغه عن الأمراء ، يعنى أمراء المسلمين الذين أمدهم أبو بكر ، وتوجههم إليه ، اقتحم على الروم طلب الحظوة ، وأعرى ظهره ، وبادر الأمراء لقتال الروم ، واستطرد له باهان ، فأرز هو ومن معه إلى دمشق ، واقتحم خالد فى الجيش ومعه ذو الكلاع وعكرمة والوليد حتى ينزل المرج ، مرج الصفر ، ما بين الواقوصة ودمشق ، فانطوت مسالح باهان عليه ، وأخذوا عليه الطرق ولا يشعر ، وزحف له باهان فوجد ابنه سعيد بن خالد يستمطر فى الناس ، فقتلوهم. وأتى الخبر خالدا ، فخرج هاربا فى جريدة خيل ، ولم ينته بخالد الهزيمة عن ذى المروة ، وأقام عكرمة فى الناس ردءا لهم ، فرد عنهم باهان وجنوده أن يطلبوهم ، وأقام من الشام على قريب.
وذكر ابن إسحاق مسير الأمراء ومنازلهم ، وأن يزيد بن أبى سفيان نزل البلقاء ، ونزل شرحبيل بن حسنة الأردن ، ويقال : بصرى ، ونزل أبو عبيدة الجابية.
وعن غير ابن إسحاق أنه لما نزل أبو عبيدة بالجابية كتب إلى أبى بكر الصديق رضياللهعنه ، منها : أما بعد ، فإن الروم وأهل البلد ، ومن كان على دينهم من العرب قد أجمعوا على حرب المسلمين ، ونحن نرجو النصر ، وإنجاز موعود الرب تبارك وتعالى ، وعادته الحسنى ، وأحببت إعلامك ذلك لترينا رأيك.
فقال أبو بكر رحمهالله : والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد. وكان خالد إذ ذاك يلى حرب العراق ، فكتب إليه أبو بكر :
أما بعد ، فدع العراق وخلف فيه أهله الذين قدمت عليهم وهم فيه ، وامض متخفيا فى أهل القوة من أصحابك الذين قدموا معك العراق ، من اليمامة ، وصحبوك فى الطريق ، وقدموا عليك من الحجاز ، حتى تأتى الشام ، فتلقى أبا عبيدة ومن معه من المسلمين ، فإذا التقيتم فأنت أمير الجماعة ، والسلام.
ويروى أنه كان فيما كتب إليه به : «أن سر حتى تأتى جموع المسلمين باليرموك ، فإنهم قد شجوا وأشجوا ، وإياك أن تعود لمثل ما فعلت ، فإنه لم يشج الجموع بعون الله سبحانه ، أحد من الناس إشجاءك ، ولم ينزع الشجاء أحد من الناس نزعك ، فلتهنئك أبا سليمان النعمة والحظوة ، فأتمم يتمم الله لك ، ولا يدخلنك عجب فتخسر وتخذل ، وإياك أن تدل بعمل ، فإن الله تعالى ، له المن ، وهو ولى الجزاء» (١).
__________________
(١) انظر : تاريخ الطبرى (٣ / ٣٨٤ ـ ٣٨٥).