القين ، وجاءت لخم وجذام وعاملة وغسان ، وقبائل من قضاعة ، فدخلوا مع المسلمين ، وأخذ أهل البلد من النصارى يراسلون المسلمين ، فيقدمون رجلا ويؤخرون أخرى ، ويقولون : أنتم أحب إلينا من الروم وإن كنتم على غير ديننا ، أنتم أوفى لنا وأرأف بنا وأكف عن ظلمنا ، ولكنهم غلبونا على أمرنا ، فيقول لهم المسلمون : إن هذا ليس بنافعكم عندنا ما لم تعتقدوا منا الذمة ، وإنا إن ظهرنا عليكم كان لنا أن نسبيكم ونستعبدكم ، وإن اعتقدتم منا الذمة سلمتم من ذلك ، فكانوا يتربصون وينتظرون ما يكون من أمر قيصر ، وقد بلغهم أنه بعث إلى أقاصى بلاده ، وإلى كل من كان دينه ممن حوله ، وأنهم فى كل يوم يقدمون عليه ويسقطون إليه ، فهم ينتظرون ما يكون منه ، وهم مع ذلك بموضعهم بين الثلاثين ألفا والأربعين ألفا (١).
وكان المسلمون حيث نزلوا بهم ليس شيء أحب إليهم من معاجلتهم ، وكانوا هم ليس شيء أحب إليهم من مطاولة المسلمين رجاء المدد من صاحبهم ، ولأن المسلمين ليسوا فى مثل ما الروم فيه من الخصب والكفاية.
وأقبلت الروم يبثقون المياه بينهم وبين المسلمين ليطاولوهم ، وأقبل المسلمون يخوضون إليهم الماء ويمشون فى الوحل ، فلما رأى ذلك الروم ، وأنه لا يمنعهم منهم شيء خرجوا فعسكروا وتيسروا للقتال ، ووطنوا أنفسهم عليه ، وكانوا كل يوم فى زيادة من الأمداد الواصلة إليهم.
فأمر أبو عبيدة المسلمين حيث بلغه ذلك أن يغيروا عليهم وعلى ما حولهم من القرى والسواد والرساتيق ، ففعلوا ، وقطعوا بذلك المادة والميرة.
فلما رأى ذلك ابن الجعد أتى أبا عبيدة فصالحه على سواد الأردن ، وكتب له كتابا.
وكان صفوان بن المعطل ، ومعن بن يزيد بن الأخنس السليمان قد خرجا فى خيل لهما فأغارا ، فغنما ، فلما انصرفا عرضت لهم الروم فقاتلوهم ، وإنما كان المسلمون فى نحو من مائة رجل والروم فى خمسة آلاف مع درنجار عظيم منهم ، فطاردوهم وصبروا لهم ، واحتسبوا فى قتالهم ، ثم إن الروم غلبوهم على غنيمتهم. وجاء حابس بن سعد الطائى فى نحو من مائة رجل ، فحمل عليهم فزالوا غير بعيد ، ثم حملوا عليه فردوه وأصحابه حتى ألحقوهم بالمسلمين ، ثم انصرفوا وقد بغوا ، وهم يعدون هذا ظفرا ، ولم يقتلوا أحدا ، ولم يهزموا جمعا ، فلما انصرفوا إلى عسكرهم أرسلوا إلى أبى عبيدة : أن
__________________
(١) انظر هذا الخبر وما بعده فى : تاريخ فتوح الشام للأزدى (ص ١١١ ـ ١٣٠).