فلما قالوا هذا القول وفسره الترجمان لمعاذ ، سكتوا ، فقال معاذ للترجمان : أقد فرغوا؟ قال : نعم ، قال : فأفهم عنى ، إن أول ما أنا ذاكر : حمدا لله الذي لا إله إلا هو ، والصلاة على محمد صلىاللهعليهوسلم وأول ما أدعوكم إليه أن تؤمنوا بالله وحده ، وبمحمد صلىاللهعليهوسلم وأن تصلوا صلاتنا ، وتستقبلوا قبلتنا ، وأن تستسنوا بسنة نبينا ، وتكسروا الصليب ، وتجتنبوا شرب الخمر وأكل لحم الخنزير ، ثم أنتم منا ونحن منكم ، وأنتم إخواننا فى ديننا ، لكم ما لنا وعليكم ما علينا ، وإن أبيتم ، فأدوا الجزية فى كل عام إلينا عن يد وأنتم صاغرون ، فإن أنتم أبيتم هاتين الخصلتين فليس شيء مما خلق الله نحن قابلوه منكم ، فابرزوا إلينا حتى يحكم الله بيننا ، وهو خير الحاكمين ، فهذا ما نأمركم به وما ندعوكم إليه.
وأما قولكم : ما أدخلكم بلادنا وتركتم أرض الحبشة وليسوا منكم ببعيد ، وأهل فارس وقد هلك ملكهم ، فإنى أخبركم عن ذلك ، ما بدأنا بقتالكم أن يكونوا آثر عندنا منكم ، إنكم جميعا لسواء ، وما حابيناهم بالكف عنهم إذ بدأنا بكم ، ولكن الله تبارك وتعالى ، أنزل فى كتابه على نبينا صلىاللهعليهوسلم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) [التوبة : ١٢٢] ، فكنتم أقرب إلينا منهم ، فبدأنا بكم لذلك ، ثم لقد أتتهم طائفة منا بعدنا ، فإنهم اليوم ليقاتلونهم ، وإنا لنرجو أن يعزهم الله ويفتح عليهم ، وأما قولكم : إن ملكنا حى ، وإن جنودنا عظيمة ، وإنا عدد نجوم السماء وحصى الأرض وتؤيسونا من الظهور عليكم ، فإن الأمر فى ذلك ليس إليكم ، وإن الأمور كلها لله ، وكل شيء فى قبضته وقدرته ، وإذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون ، فإن يكن ملككم هرقل فإنما ملكنا نحن الله تبارك وتعالى ، وأميرنا رجل منا ، إن عمل فينا بكتاب ربنا وسنة نبينا أقررناه ، وإن غير عزلناه ، ولا يحتجب منا ، ولا يتكبر علينا ، ولا يستأثر علينا فى فيئنا الذي أفاء الله عزوجل ، علينا ، وهو فيه كرجل منا. وأما جنودنا ، فإنها وإن عظمت وكثرت حتى تكون أكثر من نجوم السماء وحصى الأرض ، فإنا لا نثق بها ولا نتكل عليها ، ولكنا نتبرأ من الحول والقوة ، ونتوكل على الله ونثق به ، وكم من فئة قليلة قد أعزها الله ونصرها وأعانها ، وكم من فئة كثيرة قد أذلها الله سبحانه ، وأهانها قال الله تبارك وتعالى : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة : ٢٤٩].
وأما قولكم : كيف تستحلون قتالنا وأنتم مؤمنون بنبينا وكتابنا ، فأنا أخبركم عن ذلك : نحن نؤمن بنبيكم ، ونشهد أنه عبد من عباد الله ورسول من رسل الله ، وأن مثله عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ، ثم قال له كن فيكون ، ولا نقول : إنه الله ، ولا أنه