حتى أقحموهم الحصن. فلما رأوا ذلك بعثوا فى طلب الصلح ، فأعطاهم ذلك أبو عبيدة ، وكتب لهم كتابا.
ثم إنه خرج نحو حمص ، فجمع له أهلها جمعا عظيما ، ثم استقبلوه بجوسية (١) ، فرماهم بخالد بن الوليد ، فلما نظر إليهم خالد قال : يا أهل الإسلام ، الشدة ، الشدة. ثم حمل عليهم خالد ، وحمل المسلمون معه ، فولوا منهزمين حتى دخلوا مدينتهم ، وبعث خالد ميسرة بن مسروق فاستقبل خيلا لهم عظيمة عند نهير قريب من حمص ، فطاردهم قليلا ثم حمل عليهم ، فهزمهم ، وأقبل رجل من المسلمين من حمير يقال له شرحبيل ، فعرض له منهم فوارس ، فحمل عليهم وحده ، فقتل منهم سبعة ، ثم جاء إلى نهر دون حمص مما يلى دير مسحل فنزل عن فرسه فسقاه ، وجاء نحو من ثلاثين فارسا من أهل حمص فنظروا إلى رجل واحد ، فأقبلوا نحوه ، فلما رأى ذلك أقحم فرسه وعبر الماء إليهم ، ثم ضرب فرسه فحمل عليهم ، فقتل أول فارس ، ثم الثانى ، ثم الثالث ، ثم الرابع ، ثم الخامس ، ثم انهزموا وتبعهم وحده ، فلم يزل يقتل واحدا واحدا حتى انتهوا إلى دير مسحل وقد صرع منهم أحد عشر رجلا ، فاقتحموا جوف الدير واقتحم معهم ، فرماه أهل الدير بالحجارة حتى قتلوه ، رحمهالله.
وجاء ملحان بن زياد وعبد الله بن قرط وصفوان بن المعطل إلى المدينة ، فأخذوا يطيفون بها يريدون أن يخرج إليهم أهلها ، فلم يخرجوا. وجاء المسلمون حتى نزلوا على باب الرستن (٢) ، فزعم النضر بن شفى أن رجلا من آل ذى الكلاع كان أول من دخل مدينة حمص ، وذلك أنه حمل من جهة باب الشرقى فلم يرد وجهه شيء ، فإذا هو فى جوف المدينة ، فلما رأى ذلك ضرب فرسه فخرج كما هو على وجهه ولا يرى إلا أنه قد هلك ، حتى خرج من باب الرستن ، فإذا هو فى عسكر المسلمين.
وحاصر المسلمون أهل حمص حصارا شديدا ، فأخذوا يقولون للمسلمين : اذهبوا نحو الملك ، فإن ظفرتم به فنحن كلنا لكم عبيد. فأقام أبو عبيدة على باب الرستن بالناس ، وبث الخيل فى نواحى أرضهم ، فأصابوا غنائم كثيرة وقطعوا عنهم المادة والميرة ، واشتد عليهم الحصار ، وخشوا السباء فأرسلوا إلى المسلمين يطلبون الصلح ، فصالحهم المسلمون
__________________
(١) جوسية : بالضم ثم السكون وكسر السين المهملة وياء خفيفة ، قرية من قرى حمص على ستة فراسخ منها من جهة دمشق. انظر : معجم البلدان (٢ / ١٥٨).
(٢) الرستن : بفتح أوله وسكون ثانيه ، بليدة قديمة كانت على نهر الميماس ، بين حماة وحمص ، فى نصف الطريق. انظر : معجم البلدان (٣ / ٤٣).