وكتبوا لهم كتابا بالأمان على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم ، وعلى أن يضيفوا المسلمين يوما وليلة ، وعلى أن على أرض حمص مائة ألف دينار وسبعين ألف دينار ، وفرغوا من الصلح ، وفتحوا باب المدينة للمسلمين ، فدخلوها وأمن بعضهم بعضا.
وكتب أبو عبيدة إلى عمر رضياللهعنهما : بسم الله الرحمن الرحيم ، لعبد الله عمر أمير المؤمنين ، من أبى عبيدة بن الجراح ، سلام عليك ، فإنى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد ، فأحمد الله الذي أفاء علينا وعليك يا أمير المؤمنين أفضل كورة بالشام ، أكثرها أهلا وقلاعا وجمعا وخراجا ، وأكبتهم للمشركين كبتا ، وأيسره على المسلمين فتحا. أخبرك يا أمير المؤمنين أصلحك الله ، أنا قدمنا بلاد حمص وبها من المشركين عدد كثير ، والمسلمون يزفون إليهم ببأس شديد ، فلما دخلنا بلادهم ألقى الله الرعب فى قلوبهم ، ووهن كيدهم ، وقلم أظفارهم ، فسألونا الصلح وأذعنوا بأداء الخراج ، فقبلنا منهم وكففنا عنهم ، ففتحوا لنا الحصون واكتتبوا منا الأمان ، وقد وجهنا الخيول إلى الناحية التي بها ملكهم وجنوده.
نسأل الله ملك الملوك وناصر الجنود أن يعز المسلمين بنصره ، وأن يسلم المشرك الخاطئ بذنبه ، والسلام عليك.
فكتب إليه عمر : أما بعد ، فقد بلغنى كتابك تأمرنى فيه بحمد الله على ما أفاء علينا من الأرض وفتح علينا من القلاع ومكن لنا فى البلاد وصنع لنا ولكم وأبلانا وإياكم من حسن البلاء ، فالحمد لله على ذلك حمدا كثيرا ليس له نفاد ولا يحصى له تعداد ، وذكرت أنك وجهت الخيول نحو البلاد التي فيها ملك الروم وجموعهم ، فلا تفعل ، ابعث إلى خيلك فاضممها إليك وأقم حتى يمضى هذا الحول ونرى من رأينا. ونستعين الله ذا الجلال والإكرام على جميع أمرنا ، والسلام عليك.
فلما أتى أبا عبيدة الكتاب دعا رءوس المسلمين ، فقال لهم : إنى قد كنت قدمت ميسرة بن مسروق إلى ناحية حلب وأنا أريد الإقدام والغارة على ما دون الدرب من أرض الروم ، وكتبت بذلك إلى أمير المؤمنين ، فكتب إلىّ : أن أصرف إلى خيلى ، وأن أتربص بهم الحول حتى يرى من رأيه. فقالوا : لم يألك أمير المؤمنين والمسلمين نظرا وخيرا. فسرح إلى ميسرة ، وقد كان أشرف على حلب ودنا منها ، فيجامعه كتاب إلى ميسرة : أما بعد ، فإذا لقيت رسولى فأقبل معه ودع ما كنت وجهتك إليه حتى نرى من رأينا وننظر ما يأمرنا به خليفتنا ، والسلام.