فأقبل ميسرة فى أصحابه حتى انتهى إلى أبى عبيدة بحمص ، فنزل معه ، وخرج أبو عبيدة فعسكر بالناس ، ودعا خالد بن الوليد ، فقال له : اخرج إلى دمشق فانزلها فى ألف رجل من المسلمين وأقيم أنا هاهنا ، ويقيم عمرو بن العاص فى مكانه الذي هو فيه ، فيكون بكل جانب من الشام طائفة من المسلمين ، فهو أقوى لنا عليها وأحرى أن نضبطها ، فخرج خالد فى ألف رجل حتى أتى دمشق وبها سويد بن كلثوم بن قيس القرشى ، من بنى محارب بن فهر ، وكان أبو عبيدة خلفه بها فى خمسمائة رجل ، فقدم خالد فعسكر على باب من أبوابها ، ونزل سويد فى جوفها.
وعن أدهم بن محرز بن أسد الباهلى قال : أول راية دخلت أرض حمص ودارت حول مدينتها راية ميسرة بن مسروق ، ولقد كانت لأبى أمامة راية ولأبى راية ، وإن أول رجل من المسلمين قتل رجلا من المشركين لأبى ، إلا أن يكون رجل من حمير ، فإنه حل هو وأبى جميعا فكل واحد منهما قتل فى حملته رجلا ، فكان أبى يقول : أنا أول رجل من المسلمين قتل رجلا من المشركين بحمص ، لا أدرى ما الحميرى ، فإنى حملت أنا وهو فقتل كل رجل منا فى حملته رجلا ، ولا أخال إلا أنى قتلت قتيلى قبل قتيله (١).
وقال أدهم : إنى لأول مولود بحمص ، وأول مولود فرض له بها ، وأول من رئى فيها بيده كتف يختلف إلى الكتاب ، ولقد شهدت صفين وقاتلت (٢).
وقال عبد الله بن قرط : عسكر أبو عبيدة ونحن معه حول حمص نحوا من ثمان عشرة ليلة ، وبث عماله فى نواحى أرضها ، واطمأن فى عسكره ، وذهبت منهزمة الروم من فحل حتى قدمت على ملك الروم بأنطاكية ، وخرجت فرسان من فرسان الروم ورجال من عظمائهم وذوى الأموال والغنى والقوة منهم ممن كان أوطن بالشام فدخلوا قيسارية ، وتحصن أهل فلسطين بإيلياء.
ولما قدمت المنهزمة على هرقل دعا رجالا منهم ، فقال لهم : أخبرونى ويلكم عن هؤلاء القوم الذين تلقونهم ، أليسوا بشرا مثلكم؟ قالوا : بلى ، قال : فأنتم أكثر أم هم؟ قالوا : نحن أكثر منهم أضعافا ، وما لقيناهم فى موطن إلا ونحن أكثر منهم. قال : ويلكم فما بالكم تنهزمون إذا لقيتموهم؟ فسكتوا. فقام شيخ منهم ، فقال : أنا أخبرك أيها الملك من أين يؤتون ، قال : فأخبرنى ، قال : إنهم إذا حمل عليهم صبروا ، وإذا حملوا لم يكذبوا ،
__________________
(١) انظر : تاريخ فتوح الشام (١٤٨ ـ ١٤٩).
(٢) انظر : تاريخ فتوح الشام (١٤٩).