قال عبد الله بن قرط ، والحديث له : ثم وجههم إلينا ، فقدمت عيوننا من قبلهم ، فخبرونا بمقالة ملكهم وبمسيرهم إلينا وجمعهم لنا ، ومن أجلب معهم من غيرهم علينا ممن كان على دينهم وفى طاعتهم.
فلما جاء أبا عبيدة الخبر عن عددهم وكثرتهم ، رأى أن لا يكتم ذلك المسلمين ، وأن يستشيرهم فيه لينظر ما يؤول إليه رأى جماعتهم ، فدعا رءوس المسلمين وأهل الصلاح منهم ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد. فإن الله عزوجل ، قد أبلاكم أيها المؤمنون فأحسن البلاء ، وصدقكم الوعد ، وأعزكم بالنصر ، وأراكم فى كل موطن ما تسرون به ، وقد سار إليكم عدوكم من المشركين بعدد كثير ، ونفروا إليكم فيما حدثني عيونى نفير الروم الأعظم ، فجاءوكم برا وبحرا حتى خرجوا إلى صاحبهم بأنطاكية ، ثم قد وجه إليكم ثلاثة عساكر فى كل عسكر منها ما لا يحصيه إلا الله من البشر ، وقد أحببت أن لا أغركم من أنفسكم ، ولا أطوى عنكم خبر عدوكم ، ثم تشيرون علىّ برأيكم ، وأشير عليكم برأيى ، فإنما أنا كأحدكم.
فقام يزيد بن أبى سفيان ، فقال : نعم ما رأيت رحمك الله ، إذ لم تكتم عنا ما أتاك من عدونا ، وأنا مشير عليكم ، فإن كان صوابا فذاك ما نويت ، وإن يكن الرأى غير ما أشير به ، فإنى لا أتعمد غير ما يصلح المسلمين. أرى أن نعسكر على باب مدينة حمص بجماعة المسلمين ، وندخل النساء والأبناء داخل المدينة ، ثم نجعل المدينة فى ظهورنا ، ثم نبعث إلى خالد فيقدم عليك من دمشق ، وإلى عمرو بن العاص فيقدم عليك من الأردن ، فتلقاهم بجماعة من معك من المسلمين.
وقام شرحبيل بن حسنة فقال : إن هذا مقام لا بد فيه من النصيحة للمسلمين وإن خالف الرجل منا أخاه ، وإنما على كل رجل منا أن يجتهد رأيه ، وأنا الآن فقد رأيت غير ما رأى يزيد ، وهو والله عندى من الناصحين لجماعة المسلمين ، ولكن لا أجد بدا من أن أشير عليكم بما أظنه خيرا للمسلمين.
إنى لا أرى أن ندخل ذرارى المسلمين مع أهل حمص وهم على دين عدونا هذا الذي قد أقبل إلينا ، ولا آمن إن وقع بيننا وبينهم من الحرب ما نتشاغل به أن ينقضوا عهدنا وأن يثبوا على ذرارينا فيتقربوا بهم إلى عدونا.
فقال له أبو عبيدة : إن الله قد أذلهم لكم ، وسلطانكم أحب إليهم من سلطان عدوكم ، وأما إذ ذكرت ما ذكرت ، وخوفتنا ما خوفت ، فإنى أخرج أهل المدينة منها