وأنزلها عيالنا ، وأدخل رجالا من المسلمين يقومون على سورها وأبوابها ، ونقيم نحن بمكاننا هذا حتى يقدم علينا إخواننا.
فقال له شرحبيل : إنه ليس لك ولا لنا معك أن نخرجهم من ديارهم وقد صالحناهم على ألا نخرجهم منها.
فأقبل أبو عبيدة على جماعة من عنده فقال : ما ذا ترون ، رحمكم الله؟ فقالوا : نرى أن نقيم ، ونكتب إلى أمير المؤمنين فنعلمه نفير الروم إلينا ، وتبعث إلى من بالشام من إخوانك المسلمين فيقدموا عليك.
فقال أبو عبيدة : إن الأمر أجل وأعظم مما تحسبون ، ولا أحسب القوم إلا سيعاجلونكم قبل وصول خبركم إلى أمير المؤمنين.
فقام إليه ميسرة بن مسروق ، فقال : أصلحك الله ، إنا لسنا بأصحاب القلاع ولا الحصون ولا المدائن ، وإنما نحن أصحاب البر والبلد القفر ، فأخرجنا من بلاد الروم ومدائنها إلى بلادنا أو إلى بلاد من بلادهم تشبه بلادنا إن كانوا قد جاشوا علينا كما ذكرت ، ثم اضمم إليك قواصيك ، وابعث إلى أمير المؤمنين فليمددك.
فقال كل من حضر ذلك المجلس : الرأى ما رأى ميسرة ، فقال لهم أبو عبيدة : فتهيئوا وتيسروا حتى أرى من رأى ، وكان رأى أبى عبيدة أن يقيموا ولا يبرحوا ، ولكنه كره خلافهم ، ورجا أن يكون فى اجتماع رأيهم الخير والبركة.
ثم بعث إلى حبيب بن مسلمة ، وكان استعمله على الخراج ، فقال : انظر ما كنت جبيت من حمص فاحتفظ به حتى آمرك فيه ، ولا تجبين أحدا ممن بقى حتى أحدث إليك فى ذلك ، ففعل ، فلما أراد أبو عبيدة أن يشخص دعا حبيبا فقال له : اردد على القوم الذين كنا صالحناهم من أهل البلد ما كنا أخذنا منهم ، وقل لهم : نحن على ما كان بيننا وبينكم من الصلح ، لا نرجع عنه إلا أن ترجعوا ، وإنما رددنا عليكم أموالكم كراهية أن نأخذها ولا نمنع بلادكم ، ولكنا نتنحى إلى بعض الأرض ونبعث إلى إخواننا فيقدموا علينا ، ثم نلقى عدونا ، فإن أظفرنا الله بهم وفينا لكم بعهدكم ، إلا ألا تطلبوا ذلك.
ثم أخذ الناس فى الرحيل إلى دمشق ، ورد حبيب بن مسلمة إلى أهل البلد ما كان أخذ منهم ، وأخبرهم بما قال أبو عبيدة ، فقالوا : ردكم الله إلينا ، ولعن الله الذين كانوا يملكوننا من الروم ، لكنهم والله لو كانوا هم ما ردوا علينا ، بل غصبونا وأخذوا مع هذا