ما قدروا عليه من أموالنا. وأعلم أبو عبيدة عمر بن الخطاب بكل ما قبله.
قال سفيان بن عوف بن معقل : بعثنى أبو عبيدة ليلة غدا من حمص إلى دمشق ، فقال : ائت أمير المؤمنين فأبلغه منى السلام وأخبره بما قد رأيت وعاينت ، وبما جاءتنا به العيون ، وبما استقر من كثرة العدو ، وبالذى رأى المسلمون من التنحى عنهم. وكتب إليه معه : أما بعد ، فإن عيونى قدمت علىّ من أرض قنسرين ومن القرية التي فيها ملك الروم ، فحدثونى بأن الروم قد توجهوا إلينا وجمعوا لنا من الجموع ما لم يجمعوه قط لأمه كانت قبلنا ، وقد دعوت المسلمين فأخبرتهم الخبر واستشرتهم فى الرأى ، فاجتمع رأيهم على أن يتنحوا عنهم حتى يأتينا رأيك ، وقد بعثت إليك رجلا عنده علم ما قبلنا ، فاسأله عما بدا لك ، فإنه بذلك عليم ، وهو عندنا أمين ، ونستعين الله العزيز الحكيم ، وهو حسبنا ونعم الوكيل. والسلام عليك.
قال سفيان : فلما قدمت على أمير المؤمنين سلمت عليه ، فقال : أخبرنى عن الناس ، فأخبرته بصلاحهم ، ودفاع الله عنهم ، ثم أخذ الكتاب فقرأه ، فقال لى : ويحك ما فعل المسلمون؟ فقلت : أصلحك الله ، خرجت من عندهم ليلا من حمص وتركتهم يقولون : نصلى الغداة ثم نرحل إلى دمشق. قال : فكأنه كرهه حتى عرفت الكراهة فى وجهه ، ثم قال : لله أبوك ، ما رجوعهم عن عدوهم وقد أظفرهم الله بهم فى غير موطن؟ وما تركهم أرضا قد فتحها الله عليهم وصارت فى أيديهم؟ إنى لأخاف أن يكونوا قد أساءوا الرأى وجاءوا بالعجز وجرءوا عدوهم عليهم. فقلت : أصلحك الله ، إن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ، إن صاحب الروم قد جمع لنا جموعا لم يجمعها هو ولا أحد كان قبله لأحد كان قبلنا ، ولقد أخبرنا بعض عيوننا أن عسكرا واحدا من عساكرهم أمر بالعسكرة فى أصل جبل ، فهبطوا من الثنية نصف النهار إلى معسكرهم فما تكاملوا فيه حتى أمسوا ، ثم ما تكاملوا فيه إلى نصف الليل ، فهذا عسكر واحد من عساكرهم ، فما ظنك أصلحك الله بما بقى؟.
فقال : لو لا أنى ربما كرهت الشيء من أمرهم يضيعونه ، فأرى الله تعالى ، يخير لهم فى عواقبه لكان هذا رأيا أنا له كاره. أخبرنى : اجتمع رأى جميعهم على التحول؟ قلت : نعم. قال : فالحمد لله ، إنى لأرجو إن شاء الله أن لا يكون جمع الله رأيهم إلا على ما هو خير لهم. فقلت : يا أمير المؤمنين ، اشدد أعضاد المسلمين بمدد يأتيهم من قبلك قبل الوقعة ، فإن هذه الوقعة هى الفيصل فيما بيننا وبينهم. فقال لى : أبشر بما يسرك ويسر المسلمين ، واحمل كتابى هذا إلى أبى عبيدة وإلى المسلمين ، وأعلمهم أن سعيد بن عامر بن