وعن الحسن بن عبد الله (١) : أن الأشتر قال لأبى عبيدة : ابعث معى خيلا أتبع آثار القوم ، فإن عندى جزاء وغناء ، فقال له أبو عبيدة : والله إنك لخليق بكل خير ، فبعثه فى ثلاثمائة فارس ، وقال له : لا تتباعد فى الطلب ، وكن منى قريبا ، فكان يغير على مسيرة اليوم منه واليومين ، ونحو ذلك.
ثم إن أبا عبيدة دعا ميسرة بن مسروق فسرحه فى ألفى فارس ، فمضى فى آثار الروم حتى قطع الدروب ، وبلغ ذلك الأشتر ، فمضى حتى لحقه ، فإذا ميسرة مواقف جمعا من الروم أكثر من ثلاثين ألفا ، وكان ميسرة قد أشفق على من معه ، وخاف على نفسه وعلى أصحابه ، فإنهم لكذلك إذ طلع عليه الأشتر فى ثلاثمائة فارس من النخع ، فلما رآهم أصحاب ميسرة كبروا وكبر الأشتر وأصحابه ، وحمل عليهم من مكانه ذلك ، وحمل ميسرة فهزموهم ، وركبوا رءوسهم ، واتبعتهم خيل المسلمين يقتلونهم ، حتى انتهوا إلى موضع مرتفع من الأرض ، فعلوا فوقه ، وأقبل عظيم من عظمائهم معه رجالة كثيرة من رجالتهم ، فجعلوا يرمون خيل المسلمين من مكانهم المشرف ، فإن خيل المسلمين لمواقفتهم إذ نزل رجل من الروم أحمر عظيم جسيم ، فتعرض للمسلمين ليخرج إليه أحدهم ، قال : فو الله ما خرج إليه رجل منهم ، فقال لهم الأشتر : أما منكم من أحد يخرج لهذا العلج؟ فلم يتكلم أحد.
قال : فنزل الأشتر ، ثم خرج إليه ، فمشى كل واحد منهما إلى صاحبه وعلى الأشتر الدرع والمغفر ، وعلى الرومى مثل ذلك ، فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه شد الأشتر عليه فاضطربا بسيفيهما ، فوقع سيف الرومى على هامة الأشتر ، فقطع المغفر وأسرع السيف فى رأسه ، حتى كاد ينشب فى العظم ، ووقعت ضربة الأشتر على عاتق الرومى ، فلم تقطع شيئا من الرومى ، إلا أنه ضربه ضربة شديدة أو هنت الرومى وأثقلت عاتقه ، ثم تحاجزا.
فلما رأى الأشتر أن سيفه لم يصنع شيئا ، انصرف فمشى على هيئته حتى أتى الصف ، وقد سال الدم على لحيته ووجهه ، فقال : أخزى الله هذا سيفا ، وجاءه أصحابه ، فقال : علىّ بشيء من حناء ، فأتوه به من ساعته ، فوضعه على جرحه ، ثم عصبه بالخرق ، ثم حرك لحيته وضرب أضراسه بعضها ببعض ، ثم قال : ما أشد لحيتى ورأسى وأضراسى ، وقال لابن عم له : امسك سيفى هذا وأعطنى سيفك ، فقال : دع لى سيفى ، رحمك الله ، فإنى لا أدرى لعلى احتاج إليه ، فقال : أعطنيه ولك أم النعمان يعنى ابنته ، فأعطاه إياه ،
__________________
(١) انظر : تاريخ فتوح الشام (٢٣٧ ، ٢٣٩).